مع مرور الأيام تتكشف المصائب التي حاكها محمود عباس رئيس سلطة حركة فتح خلال لقائه بوزير جيش الاحتلال "بيني غانتس" قبل أسابيع في بيت الأول في "يافا المحتلة"، التي جاءت وسط غضب فلسطيني شعبي وفصائلي.
إحدى نتائج اللقاء ما كشفت عنه القناة "12" العبرية أن مكتب عباس أبلغ إحدى اللجان التابعة للسلطة التي تقوم بجمع أدلة ضد الاحتلال لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتجميد عملها في هذه المرحلة.
وقالت القناة إن القرار يأتي بعد أن قدم غانتس لعباس مطلبين (إسرائيليين) خلال لقائهما؛ الأول وقف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء والثاني عدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، فيما رد عباس بأنه سيكون على استعداد للاستجابة للمطلبين حال الذهاب نحو مسيرة سياسية، إلا أنه من الصعب عليه وقف ذلك في هذه المرحلة.
وبينت القناة أن لدى السلطة عدة لجان تعمل على جمع الأدلة ضد الاحتلال سعياً لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية، حيث حصلت إحداها مؤخراً على تعليمات من مكتب الرئيس بتجميد عملها دون إبداء الأسباب.
وأضافت القناة أن التعليمات جاءت من مكتب عباس، وبعبارة أخرى بالإمكان القول إن تصرفات عباس تخفف من وتيرة العمل لإدانة "إسرائيل"، فيما لم يوقف عباس إجراءاته ضد المحكمة، ولكنه يخفف من وتيرتها وبالتأكيد بالإمكان وصف ذلك بالتطور الإيجابي".
السلطة تعيد الكرة
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، إن ما كشف عنه الاحتلال ليس سياسة جديدة لدى سلطة حركة فتح، وهي تقديم التنازلات للاحتلال في قضايا تهم الفلسطينيين خصوصا على الصعيد الدولي.
وتابع: لا يغيب عن بالنا تقرير غولدستون حول جرائم حرب غزة عام 2008 الذي سحبته السلطة برغم أنه كان موضع اهتمام ومتابعة من المجتمع الدولي نتيجة وعودات فارغة من الاحتلال الإسرائيلي حول التقدم في عملية التسوية.
وأضاف محيسن في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن وقف عمل اللجنة مقابل وعود جديدة يعيد الكرة مرة أخرى، فالسلطة لا ترى غضاضة في التقدم بعلاقتها مع الاحتلال على حساب القضايا الوطنية، في مقابل بقائها قائمة على صعيد إدارة الشؤون العامة في الضفة.
وأوضح أن ما تقوم به السلطة يضر بمستقبل القضية الفلسطينية، في ظل عدم وجود أي آليات لوقف تفرد هذه القيادة بالقرار الوطني، في حين من المفترض أن تحظى المرجعيات الوطنية التي تتخذ القرارات المصيرية بالإجماع الوطني الذي تتهرب منه السلطة.
ولطالما كانت هناك ردود أفعال (إسرائيلية) غاضبة من جراء قرار الادعاء العام في محكمة لاهاي الدولية بوجوب التحقيق في شبهة جرائم حرب ارتكبتها "إسرائيل" في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، وخوف في الأوساط الإسرائيلية من أن يؤدي هذا القرار إلى فتح تحقيق ضد "إسرائيل".
ويذكر أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مسؤول (إسرائيلي) رفيع المستوى قوله إن هناك "مخاوف من قرار قريب للمدعي العام في المحكمة الدولية في لاهاي يتعلق بفتح تحقيق ضد (إسرائيل).
اصطفاف مع الاحتلال
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب إن ما قامت به سلطة حركة فتح مؤشر خطير على مستوى الانحدار الوطني في التعامل مع القضايا الوطنية في مقدمتها جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وأضاف الغريب في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن تجميد عمل لجنة الأدلة يمثل اصطفافا كاملا من السلطة مع الاحتلال في التعامل مع القضية، فأي تأخير لملاحقة الاحتلال جنائيا يعد تساوقا وتعاونا، وهذا يمثل حقيقة الدور الذي وصلت إليه سلطة حركة فتح.
وبيّن أن ما سبق حصل جراء سياسات محمود عباس ولهثه وراء خيارات التسوية والمفاوضات والتنسيق الأمني القائمة على أساس تقديم الأمن للاحتلال على طبق من ذهب وصولا إلى تبرئته من الجرائم التي ارتكبها أمام العالم كله.
وأكد أن دور السلطة قزّم القضية الفلسطينية بوقوف الأولى ضد تطلعات الشعب الفلسطيني المتمثلة في الانعتاق من الاحتلال ومحاسبته على جرائمه التي ارتكبها على مدار الحروب على قطاع غزة والاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة والقدس والداخل المحتل.