27 عامًا مضت على أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية، وأكثرها دموية في تاريخ الكيان، وكانت واحدة من أهم العمليات التي تركت بصمتها في قلب الدولة العبرية، "بيت ليد" العملية التي تركت ببصمة الاستشهاديين أنور سكر وصلاح شاكر، وكانت حصيلتها قرابة 24 قتيلا "إسرائيليا".
تلك العملية النوعية البطولية، نجح الاحتلال في تصفية مباشرة لأبرز مهندسيها وعلى رأسهم القائد الكبير الشهيد محمد الخواجا مسؤول "قسم" الذراع العسكرية لحركة الجهاد آنذاك، إلى جانب تصفيته للأمين العام للحركة آنذاك الشهيد المفكر فتحي الشقاقي.
بعد أشهر قليلة من العملية التي هزّت عمق الكيان وتحديدا في الثاني والعشرين من يناير 1995، تولت سلطة أوسلو استكمال مهمة التصفية، لتقضي فوراً على اثنين من مهندسيها والعقول المدبرة لها وهما المهندسان العبقريان عمار الأعرج وأيمن الرزاينة.
إلى جانب ذلك اعتقلت قوات الاحتلال المهندس محمود الزطمة لسنوات عديدة، قبل أن يتمكن من الهرب بعد اندلاع الانتفاضة ليرتقي شهيدا بعد أن اغتالته قوات الاحتلال عام 2003، بعد سنوات طويلة عاشها تحت التعذيب في سجون مخابرات السلطة.
وأشرف شعبان الغرباوي، أحد أهم قادة جهاز المخابرات في السلطة الآن، على اغتيال الشهيدين المجاهدين، واعتقال الزطمة آنذاك، وارتبط اسمه في التجسس على القائد الشهيد بهاء أبو العطا أحد أعضاء المجلس العسكري لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد.
"الرسالة نت" تنبش في ذاكرة التاريخ، مع شهود عيان على مجزرة المخابرات بحق مهندسي العملية البطولية، وكيف جرت تصفيتهم في شهر رمضان المبارك وقبل أن يصدح أذان المغرب بساعات قليلة.
"أم صالح أبو حشيش" صاحبة المنزل الذي احتضن الشهيدين، تستحضر ذكريات المشهد وكأنه الآن بين ناظريها، حين اقتحمت قوة من جهاز المخابرات برئاسة سامي نسمان الذي تسلم لاحقاً مسؤولية الجهاز على مستوى القطاع.
جرت عملية الاقتحام بزعامة نسمان بعد وصول معلومات من الغرباوي مسؤول جهاز المخابرات في مخيم الشاطئ آنذاك، تفيد بوجود المقاومين في المنزل، كما تروي لـ"الرسالة نت"
كانت في تلك الأثناء تعدّ طعام الإفطار، وتجهز وجبة "السمك" كما طلبها الشهيد أيمن الرزاينة.
لحظات أحاطت فيها القوة الأمنية المنزل الاسبستي، بعد خطفها لرياض أبو حشيش والمهندس الشهيد محمود الزطمة، ثم اقتحمت المنزل أثناء إعداد أم رياض لطعام الإفطار.
تقول أم رياض إنها تفاجأت باقتحام المخابرات لمنزلها، "إذ سرعان ما طالبها فرد منهم باخلاء البيت فوراً، فالبيت بات ملغمًا".
حتى هذه اللحظة كان الشهيدان الأعرج والرزاينة يقرآن سورة الأنفال، ليسكت صوتهما ببدء إطلاق النار عليهما مباشرة من إحدى نوافذ غرف المنزل.
ولم يكتف الجهاز بذلك، بل باشر بإغلاق السيارة على أطفالها الثلاثة، بعد اختطاف والدهم.
سريعاً جرت عملية الإعدام للشهيدين، "بإمكانك العودة للمنزل انهينا المهمة!" بهذه الكلمات واجه الضابط أم رياض، كما تروي.
"دخلت البيت فوجدت أيمن مطرزًا بالرصاص عمودياً في صدره وبطنه، أما عمار فكان يلتقط أنفاسه الأخيرة، وسرعان ما نظر إلي وأغمض عينيه شهيداً"، والقول هنا لأم رياض.
لم تنته فصول الجريمة عند هذا الحد، فعمل المخابرات على خطف جثمان الشهيد الرزاينة من المستشفى في محاولة لتسليمه لجنود الاحتلال، والقول هنا لأم الشهيد أم أيمن الرزاينة.
تستحضر أم أيمن بدموعها تفاصيل تلك الحادثة لـ"الرسالة نت"، "فعند أذان المغرب للإفطار جاء من يخبرني باستشهاد نجلي، "أول فرحتي وأول صدمتي!".
وتلقت الخنساء التي ضحّت بأربعة من أبنائها في طريق الشهادة، نبأ استشهاد نجلها باستغراب "كيف قُتل والاحتلال لم يعد موجودا؟، ليجيبها، "قُتل على يد أمن السلطة!".
"3 من ابنائي استشهدوا على يد الاحتلال لكن وجعي وغصتي وقهري عند أيمن، لأنه قتل على يد من يفترض أنهم أبناء دينه ومن هم عرضهم عرضه"، بقهر تروي الخنساء قصتها.
وتضيف: "فعلوا ما لم يفعله اليهود حين خطفوا جثمانه لتسليمه ثم بعد ذلك بالقوة تم استرداده منهم، ليقتحموا منزلنا مجدداً لاختطافه، ليستعيده الناس مجدداً بالقوة ويدفن بعد يوم كامل وليلة قضاها على سريره في المنزل خشية إعادة اختطافه مجدداً".
"من قتل نجلي يعيد اليوم الكرّة بنفس الخسة والنذالة لكن هذه المرة مستهدفاً بهاء أبو العطا، عندما شاهدت فيديو العملاء المتورطين باغتياله، استرجعت كل معاني القهر مجدداً في حادثة اغتيال أيمن"، تبعاً للخنساء.
حادثة "بيت ليد" ليست الوحيدة في الملفات السوداء التي ارتبطت باسم شعبان الغرباوي، فهو أشرف على مطاردة الشهيد يحيى عياش في حي الشاطئ غرب غزة، كما أنه رفض الافراج عن المعتقلين إبان استهداف الاحتلال للمقرات الأمنية مع اندلاع الانتفاضة الثانية، كما تروي أم رياض.
وزارت أم رياض زوجها الدكتور رياض أبو حشيش بعد 6 أشهر، "بصعوبة تعرفنا على شكله من شدة التعذيب الذي تعرض له والشهيد محمود الزطمة".
والسر الذي خبأته أم رياض لسنوات طويلة تمثل في "نصيحة" أسداها لها مسؤول جهاز المخابرات في السلطة آنذاك حين طلب منها ومن زوجة الشهيد الزطمة الطلاق من زوجيهما بدعوى انهما لن يخرجا من السجن ، "فهما مطلوبان للامريكان والإسرائيليين".
وستظل هذه الحادثة علامة فارقة ضمن ملفات سوداء، سطرت طريقا دمويا في تعامل السلطة مع المجاهدين والمقاومين، طريقا دفعهم لاحقاً للدفاع عن أنفسهم ولو كان الثمن هروب أمثال الغرباوي بتنسيق مباشر مع الاحتلال خائفاً مرتدعاً من المقاومين.