كثيراً ما سمعنا في خطابات رئيس السلطة محمود عباس عن مصطلح المقاومة الشعبية السلمية، مُطالباً بها، حاثاً عليها، وهو النهج الذي تقول حركة فتح أنه الأجدر لهذه المرحلة لمواجهة الاحتلال والوقوف في وجه الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ولأننا بالمقاومة الشعبية كما تقول فتح، نستطيع أن نوصل للعالم صوتنا ومظلومية شعبنا الذي يعيش تحت ظلم الاحتلال والاستيطان.
نعم هذا كلام لا غبار عليه، بل هو محط إجماع فصائلي كبير أكدت عليه الفصائل الفلسطينية كافة خلال اجتماع الأمناء العامون والذي عقد بالتوازي في بيروت ورام الله، وصدر بيانه الختامي في الثالث من أيلول سبتمبر لعام 2020 ، وكان من مخرجاته، تشكيل قياده موحدة للمقاومة الشعبية وتطوريها في المرحلة المقبلة من أجل تحقيق نتائج ملموسة على الأرض في مواجهة الاحتلال وعدوانه على شعبنا، لكن هذا الاتفاق الفصائلي لم يتم وهذا الحلم لم يتحقق، وذلك بسبب تجاهل عباس وفريق المقاطعة مخرجات المؤتمر وعدم صدق نواياهم في تحقيق مقاومة شعبية حقيقية تواجه الاحتلال وتوقفه عند حده.
وعلى الرغم من إفشال السلطة ورئيسها قرار القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، إلا أننا رأينا خلال الأشهر الماضية نماذج مشرفة وقديرة لشعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال شعبياً ، فتصدرت بيتا وجبل صبيح وبُرقة في نابلس، مشهد المقاومة الشعبية ووقف أهلها ورجالها ونسائها موقف الأبطال في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، ومنعوا بصدورهم العارية الاحتلال من السيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم، وواصلوا رباطهم ليلاً ونهاراً ، حتى أجبروا الاحتلال على التراجع عن هدم بيوتهم والسيطرة على أراضيهم ، ووصل صوتهم ومقاومتهم للعالم بأسره وشكلوا بصمودهم ومقاومتهم جسراً لشعبنا ليمضي في طريق مقاومة الاحتلال.
وفي ظل ما يقدمه أبطال المقاومة الشعبية، في مواجهة الاحتلال وتشريف شعبنا وقضيتنا، وفي فصل جديد من فصول مواجهة شعبنا ومقاومته، تفاجأنا من قيام أجهزة السلطة باقتحام بيوت نشطاء المقاومة الشعبية في بيتا والاعتداء عليهم وسحلهم وضربهم ثم اعتقالهم بطريقة همجية لا تمت للإنسانية بصلة، ولا يمكن أن يصدق عاقل أن الاعتقالات تمت بأيد فلسطينية، بل إن كارثة القول أن أجهزة السلطة عبرت بحواجز عسكرية صهيونية، للوصول لمنازل النشطاء من أجل اعتقالهم، وهنا نريد أن نتسأل، ما هي المقاومة الشعبية التي تريدها فتح ورئيسها عباس وهو يلاحق رجالها ويتعرض لهم ولعائلاتهم ؟ ولمصلحة من يتم اعتقال نشطاء المقاومة الشعبية في ظل ما قدموه من نموذج مشرف في مواجهة الاحتلال ؟ وهل أوجعت المقاومة الشعبية الاحتلال وفريق التنسيق الأمني لذلك حان الوقت لإنهائها ؟
أما عن المقاومة الشعبية التي يريدها عباس وفريقه، فلم نعد نفهم منها سوى الأقوال أما الأفعال فهي مخالفة تماماً لذلك، بل هي على النقيض تماماً، فالتنسيق الأمني والاعتقالات السياسية لا تزال قائمة ومستمرة، وملاحقة المعارضين السياسيين الذين يشكلون خطراً على الاحتلال لا تزال هو العنوان، واللقاءات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يجريها عباس وفريقه بين الفينة والأخرى مع مسئولين صهاينة تتصدر المشهد، ويمكننا القول إن المقاومة الشعبية أصبحت تشكل ثقلا سياسيا وأمنيا على الاحتلال والسلطة معاً، لذلك قرر عباس تقديم عربون جديد على طبق التنسيق الأمني بالتخلص منها، وتهديد القائمين عليها ومنع أخرين من التفكير بها، لذلك فإن المرحلة المقبلة ستكشف ظهور الوجه الحقيقي لمن خدعونا بشعار المقاومة الشعبية السلمية، وما هذه الاعتقالات والاعتداءات الى البداية لمرحلة إخماد المقاومة الشعبية الثائرة في الضفة الغربية المحتلة بأوامر صهيونية وأيد فلسطينية.
وهنا فإن المطلوب من شعبنا الفلسطينية وفصائله العاملة في الضفة الغربية، تعزيز المقاومة الشعبية ومواجهة الاحتلال في كافة أماكن تواجده، ورفض السياسية الخطيرة التي تقوم بها السلطة بملاحقة رجال المقاومة الشعبية واعتقالهم نيابة عن الاحتلال، وفضح ممارسات السلطة ورجالها، بل ومواجهة الاعتقالات والاعتداءات بكل قوة، فمن انتصر على الاحتلال وواجهه في بيتا وبرقة وجبل صبيح يستطيع أن يواجه أدوات الاحتلال الرخيصة.
مقال: محمود عباس في مواجهة المقاومة الشعبية؟!
سليم محسن الشرفا