قائمة الموقع

كاتب: اجتماع المركزي غير شرعي ويجب مقاطعته

2022-01-26T10:50:00+02:00
الكاتب هاني المصري
الرسالة نت

دعا مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، هاني المصري، إلى  مقاطعة اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، في السادس من شهر شباط المقبل، لأنه غير شرعي.

كما دعا المصري في مقال مطول كل الحريصين على المنظمة والقضية والشعب إلى مقاطعة هذه الجلسة، معتبرا أن كل مشارك سيكون مسؤولًا عما سيحصل، وهو يغلب مصالحه الفردية والفئوية، لأن الجلسة غير شرعية، وستكون نتائجها غير شرعية.

وتوقع يكون للجلسة تداعيات سلبية وخيمة على ما تبقى من أمل بإحياء المنظمة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وربما ستسدل الستار على المنظمة نهائيًا، التي انتحرت بتوقيع اتفاق أوسلو، ولم تُدْفن حتى يتم التوقيع على الاتفاق النهائي باسم الشعب الفلسطيني، ولا بد من العمل لإحيائها كونها الإنجاز التاريخي الأكبر للشعب الفلسطيني، وبناء بديل عنها أصعب من إحيائها وليس متيسرًا حتى الآن على الأقل.

واشار إلى أن منظمة التحرير تأسست بقرار من جامعة الدول العربية، واستندت إلى ضرورة إحياء القضية الفلسطينية والميثاق القومي الذي جوهره النضال من أجل التحرير والعودة، وبعد هزيمة حزيران 1967 دخلت فصائل الثورة الفلسطينية، وخصوصًا حركة فتح، إلى المنظمة، وقادتها برئاسة ياسر عرفات، وغيّرت الميثاق، وأصبح يحمل اسم "الميثاق الوطني الفلسطيني"، وجوهر التغيير يتعلق بإبراز الدور الفلسطيني في إنجاز عملية التحرير، أي لم يطرأ تغيير على الحقوق والأهداف الأساسية.

وأشار إلى أن المنظمة استطاعت أن تجمع أطياف الشعب الفلسطيني وقيادته ونضاله، على أساس برنامج متفق عليه، وهي كانت محكومة بميثاق ونظام أساسي وتقدم خدمات لقطاعات مختلفة، وهذا مكنها من الحصول على الاعتراف بها، فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، خصوصًا بعد حرب 1973، وساعدها على ذلك دعم النظام العربي لها، لحاجته إلى ستر عورته التي فضحت بعد الهزيمة، وبداية قبولها للانخراط بالتسوية عبر إقرارها النقاط العشر، وما سمي "البرنامج المرحلي" الذي دشن مرحلة الجري وراء أوهام التسوية، وكان ذلك في البداية من دون المساس بالحقوق والأهداف الأساسية، بل طرحت في البدايات فكرة إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب التمسك بالعودة وتحرير فلسطين، وتبنّت خيار الدولة الديمقراطية على كل فلسطين.

تحوّل البرنامج المرحلي، رويدًا رويدًا، إلى برنامج نهائي وبديل عن برنامج حق تقرير المصير، والتحرير والعودة، تحت تأثير وهم بأن تغيير البرنامج الفلسطيني ليتركز على إزالة آثار العدوان سيضمن مشاركة المنظمة في قطار التسوية وإنجاز الدولة العتيدة، الذي انطلق واعتبر من جبهة القبول بأنه جارف، وإذا لم تلتحق المنظمة به ستخرج من المولد بلا حمص، بينما عارضت جبهة الرفض الالتحاق به، لأنه سيقود إلى دولة مسخ على جزء من فلسطين. يكمل المصري.

وتابع "ما حدث أن التسوية كانت عملية بلا سلام، وسراب بلا ماء، ولم تؤد إلى دولة، ولا إنجاز أي حق من الحقوق الفلسطينية. وكان يمكن طرح إقامة الدولة عبر التركيز على المقاومة لإنهاء الاحتلال، وإنجاز الاستقلال الوطني، من دون ربط قيامها بالتسوية."

ولفت المصري إلى أن "الأوهام تواصلت حول التسوية وتقديم التنازلات بشكل متزايد من خلال الموافقة على قراري مجلس الأمن 242 و338، اللذين لا يتعاملان مع أصل القضية الفلسطينية وجوهرها، وتم نبذ ما يسمى "الإرهاب"، واعتبار الميثاق الوطني "كادوك"، وصولًا إلى المشاركة في مؤتمر مدريد من خلال وفد أردني فلسطيني مشترك، وضمن وفود عربية منفصلة، من دون إلزام إسرائيل حتى بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية (حق العودة، وتقرير المصير، والاستقلال الوطني، وإقامة دولة على حدود 67)."

ووصلت التنازلات الفلسطينية ذروتها بتوقيع اتفاق أوسلو وملاحقه، الذي تضمّن تنازلًا عن الرواية التاريخية الفلسطينية، واعترافًا بحق (إسرائيل) في الوجود، والتخلي عن المقاومة، ونبذها، وتصفية بنيتها التحتية، وتكبيل الاقتصاد الفلسطيني، وفق بروتوكول باريس، بالتبعية للاقتصاد الإسرائيلي. كما قزّم أوسلو وقسّم وجزأ القضية، والشعب، والأرض، والتفاوض إلى مرحلتين انتقالية ونهائية، وفصل القدس عن بقية الأرض المحتلة، من دون وقف الاستعمار الاستيطاني، ولا إطلاق سراح الأسرى.

وأشار إلى أن المجلس الوطني الذي ينص نظامه الأساسي على عقد دورة كل عام، وعلى ضرورة تشكيل مجلس وطني جديد كل ثلاثة أعوام، تم تجاوزه كليًا. ففي السابق عقد المجلس أكثر من عشرين دورة منذ تأسيس المنظمة حتى توقيع اتفاق أوسلو، حيث كانت تناقش كل دورة القضايا المحورية، رغم كل ما كان يحصل من انتهاكات وهيمنة وتفرد وسوء إدارة وفساد ومحاصصة، حيث احتفظت حركة فتح بنسبة لا تقل عن 51% من الأصوات، لكن عندها كانت "فتح" تشبه نفسها والشعب الفلسطيني بتياراته المتعددة، ما أبقى على هامش ديمقراطي لا بأس به، ومؤسسات تمثل الشعب وتعمل كمؤسسات ولو بالحد الأدنى، وحريصة على أن تبقى المنظمة جبهة وطنية، حيث كان ياسر عرفات يؤخر عقد المجلس الوطني أحيانُا لأشهر عدة لضمان مشاركة الجبهة الشعبية على سبيل المثال لا الحصر.

وبدأ الانهيار الكبير بعد أوسلو، إذ لم يعرض الاتفاق على جلسة للمجلس الوطني خشية من سقوطه، ثم لم يعقد المجلس بعد ذلك سوى ثلاث دورات: الأولى في العام 1996، والثانية في العام 2009؛ لسد الشواغر في اللجنة التنفيذية الناجمة عن موت ثلث أعضائها، ما يفقدها النصاب القانوني، والثالثة في العام 2018، أي خلال عشرين عامًا لم تعقد ولا جلسة واحدة، وجرى خلال هذه الفترة محاولة لتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني إرضاء للرئيس الأميركي بيل كلينتون، من دون استكمالها قانونيًا، إذ لا يعرف أحد بالضبط هل تم إلغاء الميثاق أم لا، بينما القيادة تجاوزته بشكل جوهري منذ زمن بعيد.

ويكمل المصري: وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006، جرى إحياء شكلي لبعض مؤسسات المنظمة، وتحديدًا اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، لموازنة ثقل "حماس" في السلطة، إلا أن عملية تهميش المنظمة وتغييبها تواصلت، إلى درجة أنها أصبحت مؤسسات لا قيمة جدية لها، فلا تجتمع إلا مرة كل سنوات عدة، وإذا اجتمعت لا تتخذ قرارات، بل تكون أشبه بمنتدى للحوار أو مهرجان للخطابات، وإذا اتخذت قرارات فلا تنفذ، وتبقى حبرًا على ورق.

فقد اتخذ المجلس المركزي قرارات في العام 2015 بخصوص العلاقات مع دولة الاحتلال والاتفاقيات، وأكدها في اجتماعات لاحقة، وأقرها المجلس الوطني واجتماعات الأمناء العامين طوال السنوات الماضية، وبقيت القرارات من أعلى الهيئات والمرجعيات بلا تطبيق، لدرجة أن عضوًا في اللجنة التنفيذية الذي جددت اللجنة المركزية لفتح ثقتها فيه قبل الرجوع إلى المجلس الوطني، صاحب الحق في انتخاب اللجنة التنفيذية وتجديد الثقة لأعضائها، قال مطمئنًا بأن الجديد في المجلس المركزي القادم أن القرارات السابقة المكررة ستُكبّل هذه المرة! قافزًا عن أن الدعوة لم توجه إلى حركتي حماس والجهاد للحضور كما كان حدث سابقًا، وعن أن ما يجري على الأرض يعدّ تخليًا عن برنامج الدولة لصالح برنامج بقاء السلطة والسلام الاقتصادي، ولا يخفيه أي قرارات متشددة يعاد التأكيد عليها وتستهدف الخداع والاستهلاك الشعبي.

 ومن الثغرات، بل الخطايا الكبرى التي ارتكبتها قيادة المنظمة، أن الصندوق القومي لم يعد هناك حاجة إليه، لأنه لا يملك أي موارد، ويحصل على احتياجاته من السلطة، ما يعزز كونها صاحبة القرار، ومديره لم ينتخب مباشرة من المجلس الوطني كما كان يحصل سابقًا لإعطائه قوة واستقلالًا، إزاء رئيس اللجنة التنفيذية الذي ينتخب من اللجنة التنفيذية وليس من المجلس الوطني.

وتساءل المصري: كيف ستحتفظ المنظمة بكونها ممثلًا شرعيًا وحيدًا وهي لا تطرح برنامجًا يدافع عن حقوق وأهداف الشعب الفلسطيني بمختلف تجمعاته، بل هدفها وغايتها مجرد بقاء السلطة والرهان على الأوهام والانتظار، ولا تضم حركتي حماس والجهاد، وممثلين عن المرأة والشباب والشتات، وفي ظل مقاطعة الجبهة الشعبية واحتمال مقاطعة فصائل أخرى وشخصيات مستقلة، ومع طغيان كبار السن وأهل الولاية والثقة على أعضاء المجلس الوطني ومختلف المؤسسات، ويتم شطب أعضاء وإضافة آخرين من دون معايير، ما جعل المؤسسات متكلسة ومتقادمة وفاقدة للشرعية، ويسيطر عليها المسؤولون عما وصلنا إليه من كارثة، والمقيمون في غالبيتهم الساحقة تحت الاحتلال، أي في الضفة والقطاع، في ظل تحكم السلطة في كل شيء، لدرجة أن موازنة المنظمة أصبحت بندًا صغيرًا من موازنة السلطة؟

وتساءل أيضا: كيف ستكون المنظمة ممثلًا شرعيًا ومؤسساتها ونظامها الأساسي منتهك، ولجانها ودوائرها لا تعمل، ومؤسساتها لا تجتمع، ومجلسها الوطني فوّض بشكل غير قانوني كل صلاحياته للمجلس المركزي لمدة غير محددة وهو غير معروف عدد أعضائه، فهناك من يقول إن عددهم 120 عضوًا وآخر يقول 144 وثالث 176 من دون وجود ما يثبت ذلك؟

وطرح تساؤلا آخر: كيف يمكن للجنة المركزية لحركة فتح أن تجدد الثقة بالرئيس كرئيس للجنة التنفيذية ولدولة فلسطين، من دون ممارسة جميع أعضاء المجلس الوطني لحق انتخابه وليس المركزي فقط لحقهم في انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني ورئيس الدولة الفلسطينية؟

وللخروج من هذا المأزق يرى المصري أهمية  الشروع في حوار وطني شامل تمثيلي يضع على جدول أعماله القضايا المحورية، ويشارك فيه ممثلون عن كل التجمعات والمجموعات والقوائم واللجان والحركات والكفاءات والشخصيات الاعتبارية، بما في ذلك نسبة كبيرة للشباب والمرأة.

وبين أن: النقطة المحورية على جدول أعمال الحوار تعريف المشروع الوطني، وإعادة الاعتبار له، بعيدًا عن إستراتيجية التسوية وإستراتيجية المقاومة العسكرية الأحادية، بحيث يحفظ الرواية التاريخية، ويتضمن ويجمع ما بين الحقوق والأهداف الأساسية والنهائية والقريبة والمرحلية، وتنبثق عنه إستراتيجيات وبرامج قادرة على تحقيق الأهداف المباشرة والمتوسطة والمرحلية، وعلى رأسها الاستقلال الوطني، وحق العودة، والمساواة، وإخضاع أشكال العمل والنضال، بما فيها المقاومة المسلحة المشروعة، للقيادة الواحدة والإستراتيجية المشتركة، كمرحلة على طريق تحقيق الهدف النهائي بإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على أساس هزيمة وتفكيك المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري.

ودعا إلى إعادة بناء المؤسسة الوطنية الجامعة، على أساس الميثاق الوطني بعد إعادة صياغته، عبر الاحتكام إلى الشعب بالانتخابات كلما كان ذلك ممكنًا، بما في ذلك الانتخابات على كل المستويات والقطاعات، بما يشمل الجاليات والمخيمات، ومن خلال الوفاق الوطني، ومعايير وطنية ومهنية وموضوعية حينما يتعذر إجراء الانتخابات.

وشدد على أنه لا يمكن إعادة بناء مؤسسات المنظمة كما جرى في القرن الماضي، بل على أساس الحقائق الجديدة والخبرات المستفادة لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وعبر تشكيل رديف يضمن مشاركة شعبنا في أراضي 48.

وقال إن تشكيل قيادة انتقالية تمثيلية لفترة مؤقتة خطوة من الصعب تفاديها لكي تقوم بتنفيذ ما ينتهي إليه الحوار الوطني، خصوصًا تشكيل مجلس وطني جديد، وإنهاء الانقسام وإفرازاته.

وحث على إنهاء الانقسام وتوحيد السلطتين في سلطة واحدة، بحيث تنتهي سيطرة "فتح" أو "حماس" على السلطة هنا أو هناك، ضمن عملية تتضمن إعادة تعريف السلطة، وتغييرها، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي كسلطة خدمية ولتعزيز الصمود، وكأداة لخدمة البرنامج الوطني ومنظمة التحرير الواحدة الموحدة.

اخبار ذات صلة