على صعيد تبرير اتفاق ترسيم التطبيع مع (إسرائيل) سوّق صانعو القرار، في الإمارات، عبر وسائلهم الإعلامية والثقافية فكرة مفادها بأن الهدف من الاتفاق مع (إسرائيل) هو تعزيز السلام، وحل القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه بالطرق الدبلوماسية والسياسية، مع وجود ضمانات من (إسرائيل) بوقف الاستيطان والتوسع.
أوهام السلام الشامل الذي يحاول تغطية الأبعاد الحقيقية للاتفاق (الإسرائيلي) الإماراتي لا يمكن أن تصمد أمام النقد، ولا تنطلي على الرأي العام العربي الشعبي، الذي ما زال يرفض كل أشكال التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع الكيان (الإسرائيلي)، المستمر في سياساته التوسعية والاستيطانية، وفي رفضه المطلق لحق العودة، والدخول في تسوية سلمية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد على مسألة أساسية، وهي أنه على عكس (إسرائيل) التي تشكل تصفية القضية الفلسطينية محدداً أساسياً لسياستها الخارجية، ولبناء علاقاتها الدولية والإقليمية، والمرتبطة بصورة وثيقة بأمن الكيان وقدرته على الاستمرار في الوجود، فإن القضية الفلسطينية لم تكن على سلم أولويات صانع القرار الإماراتي في ترسيمه العلاقات مع الكيان. عوامل مثل الدور المحدد للإمارات، ضمن المظلة الاستراتيجية الأميركية، والتصورات المصلحية المتعلقة بدور إقليمي ضمن هذه المظلة، وأوهام اعتبار (إسرائيل) الحليف الموضوعي للحفاظ على وجود دولة الإمارات لمواجهة الأخطار المحلية والإقليمية القائمة والمحتملة، هي المحددات الأساسية لاتفاق ترسيم التطبيع من وجهة نظر صانع القرار الإماراتي، وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
عليه، يمكن القول إن القضية الفلسطينية وقعت ضحية النظم السياسية العربية مرتين، مرّةً عند ادعاء النظم الديكتاتورية العربية أن لا صوت يعلو على صوت المعركة، وأن بناء جيوشها موجه لمواجهة (إسرائيل)، وهو ما أثبتت الأحداث السياسية في المنطقة زيفه وبطلانه، وأن دور هذه الجيوش العربية وخطاب تحرير فلسطين كان موجهاً لقمع الشعوب وتصفية الأصوات المعارضة داخلياً.
المرّة الثانية، أتت عبر خطابات الاستسلام تحت شعار السلام، والترويج بأن الانفتاح الاقتصادي وترسيم العلاقات مع الكيان على جميع المستويات إنما هي إجراءات تعزز من حقوق الشعب الفلسطيني، الذي تكمن مصلحته وطرق استعادة حقوقه التاريخية دون أدنى شك، خارج أوهام وأكاذيب النظم السياسية العربية.
المصدر: العربي الجديد