حطَّت ظهر اليوم طائرة رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في دولة الامارات، في زيارة هي الأولى على مستوى رئاسة الكيان، والثانية بعد زيارة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت منتصف ديسمبر الماضي.
وسيعقد "هرتسوغ" لقاءات رسمية مع وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد، مع نائب الرئيس، رئيس الوزراء ووزير الدفاع وحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومع ممثلي الجالية اليهودية".
حينما وقَّعت الإمارات اتفاق التطبيع مع الاحتلال حاولت تبرير الأمر على أنه تعزيز للسلام، وحل القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه بالطرق الدبلوماسية والسياسية، وأخذ ضمانات من (إسرائيل) بوقف الاستيطان والتوسع.
لكن السلوك السياسي للإمارات بعد التطبيع والدفء المبالغ فيه الذي يحيط بعلاقتها مع الاحتلال، يؤكد أن الملف الفلسطيني خارج الحسابات الإماراتية.
زيارة رئيس دولة الاحتلال تأتي في وقت تتصاعد فيه الهجمة الاحتلالية على الشعب الفلسطيني بالقتل والاعتقال، وزيادة سياسة التطهير العرقي كما يحدث في القدس، ومواصلة السياسة الاستيطانية في الضفة، وحصار قطاع غزة، ومواصلة التنكيل بالأسرى.
وبينما يغيب الملف الفلسطيني عن طاولة الحوار أثناء الزيارة تفرض أربعة ملفات رئيسية متشابكة حد التعقيد نفسها، وهي:
الأولى: مواجهة التهديد النووي الإيراني:
تشترك الامارات والاحتلال في المخاوف من البرنامج النووي الإيراني، وفي وقت تجري فيه مباحثات فيينا بين إيران وقوى عالمية، وفي محاولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي تنصَّلت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتمارس "إسرائيل" ضغوطاً هائلة على الإدارة الامريكية والمجتمع الدولي لإرباك محادثات فيينا وقطع الطريق أمام طهران للعودة إلى الاتفاق النووي.
وتستند السياسة "الإسرائيلية" في مواجهة المشروع النووي الإيراني إلى أربع ركائز أساسية وهي تطوير القدرات الاستخباراتية، واستمرار الضغط الدبلوماسي، والتحريض في المحافل الدولية لتشديد العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني وعزله سياسياً ودولياً، إلى جانب التلويح بالخيار العسكري بهدف ردع تقدّم المشروع الإيراني، وتشكيل رافعة للدفع قدماً بالجهود الدبلوماسية، مع استمرار استهداف المصالح الإيرانية في دول المنطقة مثل سوريا ولبنان والعراق.
صحيفة "إسرائيل اليوم" قالت إنه سيجري "تنسيق الرسائل والخطوات بين "إسرائيل" والإمارات بالنسبة لمفاوضات القوى العظمى مع إيران، وسيتم نقل الرسائل بتنسيق متبادل إلى الولايات المتحدة، بهدف التأثير على ما يجري في غرفة المحادثات في فيينا".
الثانية: المخاوف "الإسرائيلية" من التقارب الإماراتي الإيراني:
لا يخفي الاحتلال قلقه الشديد من التقارب بين الإمارات وإيران، ورغبته في تعطيل هذا المسار، الذي بدأت بوادره تظهر بعد الزيارات والاتصالات المتبادلة، فقد نحّت أبو ظبي الخلافات جانباً للتقارب مع طهران، وذلك ترسيخاً لسياسة خارجية جديدة تتخطى حد سياسة "صفر مشاكل" التي يتحدث عنها الإعلام الإماراتي بكثافة، لتطال رؤية مستقبلية جديدة بعد سلسلة المصالحات الإقليمية المدفوعة بالخوف من التراجع الأميركي في المنطقة.
وعدّ مسؤول إسرائيلي "زيارة وفد إماراتي رفيع المستوى إلى طهران لأجل البحث في تعزيز العلاقات بين الدولتين، تطوراً مقلقاً جداً، والإمارات في طريقها إلى لعب اللعبة القطرية؛ أي علاقات طيبة لقطر مع الغرب، وفي نفس الوقت علاقاتها الممتازة مع إيران والإخوان".
الثالثة: مخاوف مشتركة من التراجع الأميركي في المنطقة
يشكل التراجع الأميركي في المنطقة هاجساً حقيقياً لدى الطرفين، إذ إن ضعف مكانة الولايات المتحدة يدعم التوجه الجديد في المنطقة، ففي الوقت الذي تكافح فيه أميركا لتوجيه جهودها العسكرية نحو التهديد الاستراتيجي من الصين، بدأ حلفاؤها في الشرق الأوسط في بناء علاقات أمنية خاصة بهم في مواجهة التهديدات المشتركة، وهنا تبدو إسرائيل مهتمة للغاية بتجاوز التطبيع الشكلي وأن تكون جزءا من التحالف العربي ضد التهديد الإيراني.
ومن ناحية أخرى، يخشى الاحتلال أن التراجع الأميركي سيدفع الإمارات أكثر نحو التقارب مع طهران، لحماية نظامه، لكن ذلك لا يعني أن الإمارات ستبرّد علاقتها مع تل أبيب.
الرابعة: هجمات الحوثي على الإمارات:
تعرضت الامارات خلال الأسبوعين الماضيين إلى هجمات من جماعة الحوثي في اليمن، بعد تصاعد العمليات العسكرية على الأرض في اليمن، وكان واضحاً أن أكثر الأطراف استفزازاً في المنطقة من الهجوم الحوثي هو الكيان الإسرائيلي كونه يعد الضربة تهديدا استراتيجيا بالنظر لما يملكه الحوثي من أسلحة قد تطاله، وقد عرض المساعدة على الإمارات مباشرة، كما أكدت مصادر "إسرائيلية" أن تل أبيب تشعر بخيبة أمل من عدم رد الولايات المتحدة على الهجمات، وموقفها الباهت.
وفي الوقت ذاته رفض الاحتلال بيع منظومات دفاع جوي أبرزها "القبة الحديديّة" و"مقلاع داوود" للإمارات، خشية من تسريب معلومات تكنولوجية وعسكرية إلى أطراف أخرى.