لم يكن في حسابات إبراهيم خليل أن تصبح حملة "بيت بدل الخيمة"، فعالية وطنية فلسطينية لبناء بيوت متواضعة للاجئين السوريين في البرد القارس، بدلاً من حملة عادية نُظمت لجمع المدافئ، والخيام، والعوازل، والملابس والأغطية للاجئين في شمال سوريا، حيث فاقت كمية التبرعات توقعات خليل ورفاقه، فتوسعت الفكرة.
قلوب جربت معنى البرد في الخيام، ومعنى اللجوء في المخيمات، وقلبت في ذكريات نكبة فلسطين التي لم تنته، فكانت الأسرع تلبية للنداء، لأنها الأكثر بحثاً عن الدفء الذي لا يزالون يبحثون عنه منذ سبعين عاماً، فلم يقبلوا على لاجئ سوري أن يموت ارتجافاً على الحدود الشمالية، لأن دولاً كبرى تتابع، من مدافئها، البرد وهو يأكل السوريين.
ومن خلال حسابه على فيسبوك، أكمل الشاب الفلسطيني من الداخل المحتل إبراهيم خليل حملة لإغاثة ساكني المخيمات في شمال غرب سوريا لإنشاء قرية من المنازل الإسمنتية، فلاقت الحملة انتشاراً واسعاً بين الفلسطينيين في القدس المحتلة وعموم الأراضي الفلسطينية.
في اليوم الأول جمع خليل 700 ألف شيكل – ما يعادل 230 ألف دولار- حتى وصلت التبرعات إلى ثلاثة ملايين شيكل في اليوم الثالث للحملة.
ولم يكن في بال خليل أن تصل كمية التبرعات إلى هذا الحد، يقول: "كانت الفكرة قد بدأت بمدفأة، وانتهت بمدينة كاملة مبنية من الطوب بدلاً من الخيام، عوازل وخيام وصوبات، وصدقات بالآلاف، وذهب من النساء، وألبسة وأغطية".
ولقد أكمل خليل حملته بعد أن سمع رسالة من طفلة تشكره على المدفأة وتقول: "شكراً عمو خليل، لكني أتمنى أن أسكن في بيت بدلاً من خيمة".
ومن هنا تطورت الحملة وجمعت خلال يومين 255 ألف دولار، لمخيم كوكانايا في الشمال السوري، فبدأ العمل على بناء الغرفة بسرعة حتى انتهى بناء المخيم كاملا في يومين، ثم انتقلت الحملة إلى مخيم الواد الأخضر بعدد 11 ساعة عمل استطاع خليل ورفاقه أن يجمعوا خلالها مليون دولار".
ولم تقتصر الحملة على الداخل المحتل، بل انتقلت بمسميات أخرى إلى القدس، التي خرج من مخيماتها ربع مليون شيكل في اليوم الأول للحملة، حتى اكتظ المسجد الأقصى بالمتبرعين، الذين يرفضون الكشف عن أسمائهم، ونساء يليقن مصاغهن على طاولة التبرع، وأطفال جاؤوا بحصالاتهم وكأن برد الخيام لا يشعر به إلا من جربه.
خرجت من بلدة العيساوية حملة مشتركة بعنوان "فزعة خير" وقد جمعت الكثير من التبرعات للمساهمة في بناء المخيمات السورية في الشمال الفلسطيني، ويقول محمد أبو الحمص المشرف على حملة فزعة خير: لا يشعر باللاجئ إلا من جرب برد اللجوء مثله، ونتمنى أن نستطيع إرسال تبرعاتنا إلى اليمنيين للمساهمة بالقليل في حل مشكلة اللاجئ اليمني".
ووصلت قيمة تبرعات فزعة خير إلى 3 ملايين شيكل (حوالي مليون دولار أمريكي) من مدن فلسطينية مختلفة، من الضفة والقدس والداخل المحتل، ويذكر أنه خلال ثلاثة أيام، جمع أهالي بلدة العيساوية في القدس 350 ألف شيكل وقطعاً ذهبية لإغاثة اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء.
وأطلق أهالي مخيم شعفاط بالقدس المحتلة حملة بعنوان "إنسان" جمعت في يومها الأول مائتي ألف شيكل – ما يعادل 65 ألف دولار- ولا زالت الحملة مستمرة، وبشهادة القائمين عليها أن الاقبال على التبرع كان مدهشاً.
عبد الله معروف الباحث المختص بالشأن الفلسطيني وتحديداً بالشأن المقدسي علق قائلاً: "لا يسعني إلا القول إن هذا الأمر لم يكن مستغرباً من الفلسطينيين، فالمفترض من المظلومين أن يفهموا احتياجات بعضهم البعض ويتضامنوا معاً".
وأضاف معروف: "وهذه الحملة العظيمة من أهلنا في القدس وفي الداخل الفلسطيني تعد الرد الأبرز على محاولات الإيقاع بين الشعبين السوري والفلسطيني التي تسببت فيها بعض المواقف السياسية المعزولة لبعض الشخصيات من الطرفين في الفترات الماضية، لكن تبين أن الشعوب تفهم الواقع وترى الحقيقة كاملة.