تنص المادة "5" من الباب الثاني الخاص بأحكام المجلس الوطني في النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على ان انتخاب أعضاء المجلس الوطني يتم عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني، بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية.
ولأننا في مرحلة تحرر وطني وقد يتعذر الانتخاب المباشر فقد نصت المادة (32) من الاحكام الانتقالية في الباب الخامس بذات النظام على انه " يحق للمجلس الوطني وتعود له وحده صلاحية ضم أعضاء جدد إليه من حين لآخر، حسبما يرى ذلك ملائماً، وبحسب ما تمليه متطلبات معركة التحرير، ومقتضيات تعميق الوحدة الوطنية" ولنضع مليون خط تحت ما ورد واكرره (متطلبات معركة التحرير، ومقتضيات تعميق الوحدة الوطنية).
نصوص النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية واضحة، وكذلك كل الاتفاقيات ومخرجات الحوار الوطني والتي توجت بمخرجات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت 2017 والتي نصت حرفياً في بيانها الختامي على " ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني يضم القوى الفلسطينية كافّة وفقاً لإعلان القاهرة (2005) واتفاق المصالحة الموقع في 4/5/2011 من خلال الانتخاب، حيث أمكن، والتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات"، وبناء عليه فإن شرط شرعية عضوية المجلس الوطني والذي انبثق عنه عضوية المجلس المركزي الحالي واللجنة التنفيذية لم يتحقق، لا بالانتخاب ولا بالتوافق، فمن يمثل فعلياً؟؟
بالعودة للأصل وللنظام فإن الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية وذلك استناداً ايضاً لما ورد في نص المادة (4) من النظام الأساسي للمنظمة، ولم يحدد النظام أسس للتمييز بين أعضاء الشعب الفلسطيني حسب انتماءاتهم او توجهاتهم الفكرية او السياسية، او مكان اقامتهم، وبناء عليه فإن المنظمة "بوضعها الطبيعي" هي ليست فقط ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، بل هي ايضاً ملك لهذا الشعب بكل اطيافه وفي كل أماكن تواجده، وان ما يجري بهذا الوطن المعنوي والبيت الجامع للكل الفلسطيني من القيادة المتنفذة التي تستفرد وتستأثر بمواقع صنع القرار بالمنظمة هو ضرب بعرض الحائط لكل أنظمتها ولوائحها الداخلية، إضافة لكل الالتزامات التي سبق ان وقعتها من اتفاقيات للمصالحة ومخرجات لجلسات الحوار.
ان ما تنتهجه هذه القيادة المتنفذة لم يجلب لشعبنا وقضيتنا سوى المزيد من التشتت والتشرذم والتراجع، فالانقسام سيد الموقف، والاستيطان يبتلع ارضنا يوماً بعد يوم في تنفيذ غير مُعلن لخطة الضم الصهيوني، والاستهداف لأهلنا في القدس والنقب بالتهجير متصاعد، ومخيمات اللاجئين يتم تصفيتها مخيم تلو الآخر، والأنظمة العربية الرجعية تهرول نحو التطبيع، فما الذي يُرجى من قيادة ترى كل هذا المشهد ولا يستوقفها سلوكها بالتقييم والتخطئة والتقويم، ولا تعود إلى الرهان الصحيح، الرهان على وحدة شعبنا وقواه الحية، عبر توحيد الكل الفلسطيني في بيته الجامع منظمة التحرير، بدلاً من توسيع الانقسام وتوسيع الاشتباك مع كل من هو معارض لنهج أوسلو ورافض للتسوية الانهزامية مع هذا الاحتلال مجرم وفاشي.
لم تأخذ هذه القيادة لا المجلس المركزي ولا المجلس الوطني من قبله على أي نحو من الجدية، وبدليل ان قراراتهم بقت حبيسة الادراج ولم ينفذ منها شيء حالها حال كل القرارات التي لا تنسجم مع الرؤية السياسية لرئيس السلطة والقيادة المتنفذة، فلم ترى قرارات الدورة (23) للمجلس الوطني ولا قرارات الدورة (30) للمجلس المركزي المنعقدات في العام 2018 النور، فأي قيمة ترجى من مثل هذه الدورات الشكلي للمجلسين!
كان الاجدر على القيادة المتنفذة ان تقف طويلاً امام المشهد الوطني البطولي الذي سطره شعبنا في كل أماكن تواجده في معركة "سيف القدس" لتعي جيداً ان هذا الشعب يستحق قيادة بحجم تضحياته، ومستعد لأن يقدم المزيد من التضحيات عندما تكون البوصلة في الاتجاه الصحيح بالاشتباك والمواجهة مع الاحتلال، بالمقاومة بكل اشكالها التي صدمت كل العالم بحجم التفاعل والتكامل الشعبي من شعبنا مع مقاومته، فكان مشهد أهلنا في الـ48 مع الصامدين الابطال في القدس، وجموع الثوار في الضفة المحتلة، متكاملاً مع المقاومين الأبطال في قطاع غزة، وجحافل اللاجئين في الشتات الذين خرجوا إلى الشوارع ليهتفوا لفلسطين، ألم يكن يستدعي هذا النموذج ان تعود هذه القيادة إلى صوابها وتعيد لهذا الشعب مؤسساته ويكون مشهد الوحدة الوطنية ه الأساس، بدلاً من استجداء قادة الاحتلال واستمرار الرهان على خيارات بائسة بدلاً من الرهان على شعبنا ووحدته.
لم تأخذ منظمة التحرير شرعيتها ولم تفرض نفسها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بالاجتماعات واللقاءات والشعارات ولا بتزلفها وتقربها للأنظمة الرجعية، ولا باستجداء قادة الاحتلال، بل انتزعت مكانها وتمثيلها للشعب الفلسطيني بسواعد الثوار وتضحياتهم، بخيار الكفاح المسلح والمقاومة التي طاردت العدو في كل مكان، فاكتسبت قيمتها ومكانتها التي عُمدت بدماء الشهداء، وبالتالي أي استعادة لقيمة المنظمة ووزنها، تكون بوجود فصائل المقاومة فيها كمكون أساسي ورئيسي، فلا قيمة ولا وزن يُرجى لمنظمة وهيئات واجتماعات بدون ان تكون معبرة عن كل القوى الفاعلة بالشعب الفلسطيني وبالمقدمة منها قوى المقاومة، وهذا ينسحب على المجلس المركزي المنوي عقد اجتماعه بمقاطعة الجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فأي تمثيل وأي شرعية تكون بدون اكتمال المشهد والنصاب الوطني.
بالعودة لنصوص النظام الأساسي للمنظمة، فالمادة (3) تؤكد ما تقدم حول الأولويات الوطنية واتجاه البوصلة القويم، إذ انها تنص على ان العلاقات داخل المنظمة تقوم على أساس الالتزام بالنضال والعمل الوطني، في ترابط وثيق بين المستويات المختلفة، من قاعدة المنظمة إلى قيادتها الجماعية، وعلى أساس احترام الأقلية لإرادة الأغلبية، وكسب ثقة الشعب عن طريق الإقناع، ومتابعة الحركة النضالية الفلسطينية المسلحة، والعمل على استمرارها وتصعيدها بما يحقق الدفع التحريري لدى الجماهير حتى النصر.
في ضوء كل ما سبق واستنادناً لنصوص النظام الأساسي للمنظمة ومجريات الواقع، هل يمثل انعقاد الدورة القادمة للمجلس المركزي أي قيمة تُذكر؟ وهل لمجلس لا تمتلك عضويته أي شرعية تستند لها ان تأخذ قرارات تمس الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وتمارس صلاحيات كمُعبر عن إرادة هذا الشعب!!