قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: قالت لي أمي يوما، شكرا حركة فتح

م.طارق وليد النجار
م.طارق وليد النجار

م.طارق وليد النجار

 بينما كنا نلعب ونلهو مستمتعين بطفولتنا، لا نأبه لمآلات الحياة كثيرا؛ كانت نصائح أمهاتنا تحثنا على أخذ الحياة بجدية أكثر، وسبيلهن لتحقيق ذلك؛ إضاءة إشارة إنذار من خلال تجارب الآخرين، فعبارتها الشهيرة (خليك في لعبك ولهوك سيكون مصيرك كمصير كفلان)، فكان فلان جرس إنذار تستخدمه الأمهات في حينا لترهيب أولادهم من الاستمرار في سياسة اللامبالاة.

هذا الشخص يوجد في كل حي ومنطقة، تستفيد الأمهات الذكيات من وجوده في تعديل سلوك أبنائهم؛ فيصبح هذا الشخص هو وسيلة لنشر الإدراك والإيجابية في المجتمع من حيث لا يدري ولا يؤجر على ذلك، هذه الحالة الاجتماعية يمكن عكسها على الحالة السياسة الفلسطينية، فالفصائل الفلسطينية التي اختارت المضي قدما في مشروع المفاوضات مع المحتل تنازلوا عن 78% من أرض فلسطين وحصلوا خلال خمسة وعشرون عاما على صفر كبير كما قال صائب عريقات رحمه الله، بل هَوَت هذه الأحزاب بالحالة الفلسطينية إلى أسفل سافلين عبر التنسيق الأمني.

مثّل الفشل الذريع لمشروع التسوية بعدم تحصيل أي من الحقوق الفلسطينية؛ جرس إنذار لفصائل المقاومة الفلسطينية التي لا تؤمن بمشروع التسوية؛ بأنها لن تحصل على شيء إن هي تخلت عن مقاومتها وسلاحها، فهي استفادت من تجربة مشروع التسوية بقيادة حركة فتح؛ فكانت حركة فتح بمثابة جرس إنذار لفصائل المقاومة وعلى رأسهم حركة حماس.

عديدة هي المحطات والمنعطفات التي خاضتها حركة فتح بداية بالمقاومة المسلحة ووصولا إلى التنسيق الأمني المقدس؛ ولم يسبق حركة فتح فصيل فلسطيني بتوقيع اتفاقيات سلام مع "إسرائيل"، ففتح لم يكن لديها جرس إنذار ينبهها لمآلات هذه الخطوات. هذه المحطات والمنعطفات بالتأكيد تستفيد منها حركات المقاومة الفلسطينية لتتجنب مصير مشابه لحركة فتح.
من المحطات المهمة لحركة فتح والتي على فصائل المقاومة الحذر منها؛ تبني خطاب داخلي وأخر خارجي، فالخطاب الخارجي كان لكسب الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، فتغيير لغة سقف الخطاب وبات اللعب على المصطلحات وتزيينها، فباتت الشعارات الفتحاوية تنادي بالحل السلامي والقبول بالمستوطنين في دولة واحدة، ثم شعار حل الدولتين كحل سلمي، وأخيرا نبذ المقاومة ونعتها بالإرهاب، وخطاب أخرى موجه لأتباعها وأنصارها عموده الأساسي الثورة والمقاومة والتحرير فأقنعت فتح أنصارها بأن خطابها الخارجي موجعه للعالم الخارجي فقط لتجنب العصى الدولية، وهو خلاف مبادئ ثورتنا، هذان الخطابان أحدثا أنتجا مشكلتين كبيرتين، الأولى تمثلت في ترسيخ الخطاب الخارجي في عقول القيادات الفتحاوية، حيث تحول الخطاب إلى قناعة وضرورة واستمرت مسلسل التنازلات استمرت، والمشكلة الثانية تمثلت في إرباك الصف الداخلي لفتح، فباتت قيادة فتح ومعها بعض المنتفعين أو المقتنعين بخيار الحل السلمي في واد، وآخرين كثر من حركة فتح يتبنون المقاومة المسلحة سبيلا للتحرير ولكنهم محبون لفتح وتاريخها.
الارتباك داخل حركة فتح دفعت الحركة أمامه أثمانا كبيرة أولها خسارة انتخابات عام 2006، وحدوث تجنحات عديدة داخل الحركة، بل وجود أجنحة مسلحة لفتح في قطاع غزة لا تعمل ضمن رؤية قيادة الحركة، بالإضافة إلى أفراد من فتح في الضفة الغربية يعشقون النضال والثورة فيعملون أيضا خارج المسار الذي رسمته قيادة فتح لأنصارها.
هذا الإرباك الداخلي لحالة حركة فتح جعلنا نرى بالأمس كيف قام الاحتلال بالتنسيق مع فتحاويين (قادة الأجهزة الأمنية) لقتل فتحاويين آخرين، وهذه نتيجة طبيعة لسياسة ازدواجية الخطاب التي تبنتها فتح قديما.
ينتظر شعبنا الفلسطيني بفارغ الصبر أن يخرج أبناء فتح الأطهار في الضفة الغربية من بوتقة التنسيق الأمني؛ فينسقون مع باقي فصائل المقاومة في غزة والضفة؛ فمشروع التسوية أرهق فتح أولا ثم أرهق شعبنا الفلسطيني، ولكن إن لم يحدث هذا؛ فإن عجلة التاريخ ستدور، وعود المقاومة في الضفة سيشد يوما بعد يوم حتى يأتي اليوم الذي تكنس فيه المقاومة الاحتلال من الضفة الغربية وينهزم مشروع فتح التفاوضي؛ حينها ستقول فصائل المقاومة مرة أخرى: شكرا فتح فقد مثلتي لنا جرس تحذير  من التقدم ولو قليلا نحو مشروع التفاوض وازدواجية الخطاب، وبئس الشكر هذا.

 

البث المباشر