قرر المجلس المركزي يوم الأربعاء (٩/٠٢/٢٠٢٢) وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع دولة الاحتلال الصهيوني، وذلك على إثر جريمة اغتيال صهيونية بحق ثلاثة مقاومين فلسطينيين ينتمون لحركة (فتح) في مدينة نابلس في الضفة المحتلة.
هذه الجريمة الصهيونية أثارت الرأي العام الفلسطيني في الداخل والشتات، وزادت من سخط الشارع على السلطة وأدائها الأمني، وحمّلت الأوساطُ الفلسطينية السلطةَ في الضفة المسؤولية عن هذه الجريمة، على اعتبار أن هناك تنسيقا أمنيا على مدار الساعة بينها وبين أجهزة الاحتلال الأمنية.
وعلى إثر ذلك، وامتصاصا لحالة الغضب الفلسطينية، أعلن رئيس السلطة محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، بل ازدادت حماسة الرئيس ليعلن أنّه يجب الرد على هذه الجريمة النكراء، وأن نردّ "الصاع صاعين" على حدّ قوله!
ولا شك أن هذا القرار العاطفي الذي اتخذه المجلس المركزي، وأعلنه الرئيس عباس جاء لأسباب عدة، أهمها:
أولا- جاء هذا القرار كردة فعل؛ لتهدئة الشارع الفلسطيني الساخط على جريمة اغتيال ثلاثة شبان فلسطينيين في وضح النهار في نابلس، دون أن تُطلق عليهم رصاصة واحدة من أجهزة الأمن الفلسطينية، التي من المفترض أن دورها حماية المواطن الفلسطيني.
ثانيا- الشبان الثلاثة الذين اغتالهم الاحتلال هم من صفوف حركة (فتح) التي ينتمي إليها الرئيس، وتسيطر على قيادة السلطة والوزارة، بل ومنظمة التحرير، فجاء هذا القرار؛ لامتصاص غضب أبناء فتح، فلا شك أن هناك رجالا مناضلين من أبناء حركة فتح لا يقبلون بممارسات السلطة وتنسيقها الأمني مع الاحتلال، والذي كان سببا رئيسا في جرأة الاحتلال على تنفيذ هذه الجريمة.
ثالثا- جاء هذا القرار بعد ساعات من انتهاء المجلس المركزي الذي عُقد بعيدا عن التوافق الوطني، حيث رفضت عقده فصائل متعددة من خارج المنظمة ومن داخلها؛ لأن المجلس سيُعقد بدون أجندة وطنية واضحة، ولذلك أرادت قيادة المركزي والسلطة إظهار خروجها ببعض القرارات المهمة والوطنية، وإعطاء زخم للمجلس وقراراته، بالرغم من مقاطعة هذه الفصائل للمجلس.
رابعا- أرادت السلطة بهذا القرار تحسين صورتها أمام الجمهور الفلسطيني، ومحاولة رفع رصيدها أمام بعض الفصائل التي قاطعت المجلس المركزي، رساله راضية عن أداء السلطة، وتعاونها الأمني مع الاحتلال، ومحاولة لإخلاء مسؤوليتها من تحمّل جزء من هذه الجريمة.
ولعل الناظر بإمعان إلى هذا القرار، وحيثياته، يجد أنه قرار عاطفي، فارغ المضمون، ولن يجد له صدى على أرض الواقع، للأسباب الآتية:
١. التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال هو من ضمن التزامات "اتفاق أوسلو" الذي أوجد السلطة، وبالتالي هي موجودة بوجوده، والتنسيق أساس من أسس وجودها، فلا يمكن الجزم بوقف التنسيق الأمني.
٢. لن تقبل دولة الاحتلال بوقف التنسيق الأمني على أرض الواقع، حتى وإن قبلت به إعلاميا، فالاحتلال يُعد التنسيق الأمني مهمة من مهمات السلطة التي وُجدت لأجله؛ لمساعدته على محاربة المقاومة وخاصة في الضفة.
٣. الوقف الحقيقي للتنسيق الأمني مع الاحتلال يعني انهيار السلطة؛ لأن الاحتلال لن يقبل بذلك، بل سيفرض عقوبات متنوعة على السلطة، كوقف أموال المقاصة مثلا، بل قد نجد عقوبات أمريكية وأوروبية على السلطة.
٤. عدم وجود بديل للتنسيق الأمني مع الاحتلال لدي السلطة الفلسطينية، يعني أن هذا القرار إعلامي وعاطفي بالدرجة الأولى، وليس له أي رصيد على أرض الواقع.
وخلاصة ذلك: قرار وقف التنسيق الأمني لن يخرج عن كونه ورقة تلوّح لها السلطة في وجه الاحتلال؛ لتحقيق بعض المكاسب، وامتصاص ردات الفعل، فهذا القرار ليس جديدا على السلطة، وليس الأول، ولن يكون الأخير، فقد سبق وأن اتخذت السلطة قرارا بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في مايو (٢٠١٩) ولكنها سرعان ما عادت إليه في نوفمبر (٢٠٢٠)، فهذا يدل على أن وقف التنسيق الأمني يصعب تطبيقه على أرض الواقع؛ لأن وجود السلطة مرتبط بوجود "أوسلو" والتنسيق الأمني جزء رئيس من مكونات هذا الاتفاق، فوقف التنسيق الأمني يعني إنهاء وجود السلطة.