بعد المشهد المريب الذي كشفه اجتماع المركزي، والانقلاب على حالة الإجماع الوطني؛ كان الأصل في هذا المجلس أن يمثل الفلسطينيين كافة، لا أن يضع فيتو أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي من دخول المنظمة، وتقاطعه الجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية - القيادة العامة والمبادرة الوطنية، والصاعقة، بالإضافة إلى شخصيات وازنة.
الوصول لهذه الحالة وإصرار فريق مسار أوسلو على عدم السماح لقوة فاعلة بدخول المنظمة؛ ونحو ثلثي الفلسطينيين غير ممثلين في اجتماع المركزي الذي عقد في 6 فبراير 2021، في وقت لا يسمح للشارع الفلسطيني بالاقتراع واختيار من يمثله بصورة ديمقراطية في المجلس الوطني والمجلس التشريعي، بالإضافة إلى عدم الجدية في إنهاء ملف الانقسام وتحقيق المصالحة، ناهيك عن واقع الضفة، من تصاعد في الاعتقالات السياسية، ومحاولات حثيثة لوأد المقاومة بكافة الطرق والأساليب، حيث رصد تقرير أصدرته لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، ارتكاب أجهزة السلطة 265 انتهاكًا ضد المواطنين خلال يناير 2022، بما ينذر بعام آخر من القمع وانتهاك الحريات.
هذا الواقع وحالة التشرذم الذي يفتعلها عباس وفريقه في الحالة الفلسطينية ومحاولة شرعنه ترتيبات الحزب الواحد لمرحلة ما بعد عباس، يجب أن يقابلها ردة فعل قوية وجادة في اتجاه تشكيل جبهة وطنية تقود الفلسطينيين إلى مرحلة انتقالية، تنهي حقبة هيمنة الحزب الواحد والشخص الواحد، فعباس هو رئيس السلطة الفلسطينية المتنفذة، وهو نفسه رئيس منظمة التحرير، وهو ذاته قائد حركة فتح، فالصراع مع الاحتلال صراع طويل ومتشابك ومحتدم، بحاجة إلى قيادة تختلف آراؤها كما تتنوع مقترحاتها وحلولها، لا شخص واحد تتداخل مهامه وصلاحياته لدرجة الإضرار بالقضية، ولا أريكم إلا ما أرى.
فيجب التسليم بأن اجتماع المركزي الذي عقد على بعد أمتار من الاحتلال، الذي إن رغب فقرار اعتقال جميع أعضائه لن يأخذ معه بضع دقائق، لكن الاجتماع بهذه الحالة جاء بموافقة ورغبته ولن يضره في شيء.
فالسؤال هنا هو كيف يمكن تشكيل جبهة وطنية تقود المشروع الوطني وتفتح أفقا جديدا؟
هنا يمكن الحديث عن الرافضين لاجتماع المركزي وهم أغلبية تمثل نحو ثلثي الفلسطينيين، وهذه معادلة فارقة تضع فريق عباس في مأزق وحرج، لأن القوة المقاطعة لاجتماع المركزي واسعة، ومطالبها عادلة وواقعية ويطالب بها كل فلسطيني حر، فإصلاح منظمة التحرير وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام وإجراء الانتخاب، هو حلم كل فلسطيني، وهي قواسم مشتركة تجمع كل المقاطعين وشرائح أخرى في الشارع الفلسطيني، فالمطلوب من القوة التي رفضت اجتماع المركزي بصورته الحالية، أن تتوحد وترص صفوفها وتبدأ في تشكيل جبهة وطنية تكون في حالة انعقاد دائم، تقف سدا منيعا أمام هيمنة الحزب الواحد، وتؤمن بأن منظمة التحرير هي مؤسسة استراتيجية، والحفاظ عليها يكون من خلال إعادة بنائها وإعادة تفعيلها على أسس وطنية تضم كل الفلسطينيين تحت إطارها، وذلك يمكن أن يتم من خلال الدعوة إلى انتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي والضغط في هذه الاتجاه، كما يجب على كل المكونات الفلسطينية، لجان وتكتلات ونقابات ومؤسسات فاعلة، أن تشارك وتساند هذه الجبهة الوطنية من خلال الفعاليات والوقفات والتصريحات والدعوات بالانتخابات الشاملة، ذلك يمكن أن ينتج حالة من الضغط على عباس وفريقه تحرجهم وتجبرهم على النزول عن الشجرة، والقبول بإجراء الانتخابات الشاملة، التي سيكون من شأنها إعادة بناء مؤسساتنا الوطنية على أسس مهنية تمثل الفلسطينيين، وتقود مشروع التحرير بكافة السبل والأدوات.
مقال: اجتماع المركزي وتعييناته والأفق الجديدة
أحمد النجار