بداية وقبل الإجابة على السؤال الرئيسي أعلاه وهو كيف ستتأثر القضية الفلسطينية بالمواجهة المحتملة بين القوى العظمى في ساحة أوكرانيا وأوروبا لابد أولاً من الإشارة الى أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الاوروبيون وأيضاً إسرائيل يسعون بوضوح لافت للتأكيد أو على الأقل لترجيح احتمالات قيام حرب على أرض أوكرانيا بسبب هجوم عسكري روسي محتمل ضد أوكرانيا، أو على الأقل تعزيز هذا الانطباع في الرأي العام الأمريكي و العالمي لأهداف محددة وبخطة واضحة تخدم المصالح الأمريكية، وذلك من خلال نشر معلومات استخباراتية بصورة واسعة ومكثفة وغير مسبوقة حول ما يقال أو يزعم من نوايا من و تحركات روسية عسكرية في ما يبدو كنوع من أنواع الحرب النفسية ضد روسيا و لصالح الغرب ومع ذلك أو بسبب ذلك أو حتى لهدف تعزيز تواجدها في أوروبا وتحسين أوضاعها الاقتصادية في أوروبا وقريباً من بؤرة الازمة الأوكرانية .
في مقابل هذا الموقف الامريكي تنفي روسيا تماماً أي نوايا لها القيام بمثل هذا الهجوم ولكنها وعلى الارض تقوم بكل التحركات والاستعدادات اللازمة والتي يتطلبها هجوم عسكري كبير على أوكرانيا وهنا تكمن معضلة التصعيد في أوكرانيا والغموض والتناقض في الموقف، من الضروري التأكيد بأن الأمريكان وحلفائهم رافضون دبلوماسياً واعلامياً وفي الرأي العام في كلتا الحالتين فإن لم تحدث حرب أو لم تقم روسيا بالهجوم فسيقال هذه أمريكا قد نجحت في ردع روسيا وإن حدثت الحرب فستقول لقد صدقت تحذيراتنا وكذبت رواية الروس وظهر خداعهم وقد قمنا بكل الاستعدادات اللازمة للحرب والمواجهة .
أما الروس فنجاحهم النسبي يظهر في حالة واحدة وهي عدم حصول حرب لأنهم سيقولون حينها "صدقنا وكذبت الدعاية والسياسة الأمريكية المغرضة" أّما إن حدثت الحرب فسيضطر الروس للتبرير وعليه عدم حصول حرب هو وضع يكسب فيه الطرفان على الأرجح.
تعتمد الإجابة على السؤال المركزي وهو كيف ستتأثر القضية الفلسطينية من الأزمة الأوكرانية على توضيح أمرين :
الأمر الأول وهو محاولة الإجابة على التساؤلات التالية: هل ستندلع حرب واسعة أم محدودة؟ وهل ستكون النتائج لصالح روسيا أم أمريكا؟ أم أنه سيتم التوصل لتفاهمات واضحة ونهائية خلال فترة قصيرة نسبياً؟ أم سيكون تفاهم محدود يسمح بالبدء بعملية تفاوض على أساس خفض التصعيد والاستمرار نحو تفاهمات استراتيجية بين روسيا وأمريكا ؟
أمّا الأمر الثاني والمناسب توضيحه فهو شكل التأثير وشروط التأثير على القضية الفلسطينية ،أمّا شكل التأثير فهو مباشر أو غير مباشر وشروط التأثير فهو وجود قيادة فلسطينية متماسكة وذات تحالفات صحيحة ولها رؤية واضحة تستطيع من خلالها تحديد خياراتها وانتهاز الفرص بما يخدم القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ودون الارتهان لخيار واحد .
توجد ثلاث حالات أو سيناريوهات للتصعيد والتهدئة يتم خلالها فحص امكانيات التأثير علي القضية الفلسطينية وذلك ضمن الأسئلة المطروحة سابقاً.
الحالة الأولى وهي حالة اندلاع حرب واسعة هو احتمال محدود جداً أو حرب محدودة وهو احتمال أعلى من سابقه ولكنه مازال محدوداً قد يؤدي هذا السيناريو الى تأثير غير مباشر على القضية الفلسطينية من خلال أنه سيُضعف الموقف الاسرائيلي على الأرجح وتحديداً في الساحة السورية وفي ومواجهه المقاومة التصدي لإيران وذلك في المستوى القريب على الأقل ، لماذا؟ لأن علاقة روسيا مع اسرائيل ستتأثر سلباً بسبب اضطرار اسرائيل للوقوف الى جانب حليفتها التقليدية أمريكا ضد الروس، هذا التطور قد يؤدي الى دعم تطور قوي المقاومة في المنطقة وليس من المرجح أن تنجح القيادة الفلسطينية الرسمية من استثماره لضعفها أو لعدم رغبتها في ذلك.
الحالة الثانية احتمال التوصل لتفاهم استراتيجي واسع وخلال مدة قصيرة بين روسيا وامريكا وهو احتمال ضعيف وقد لا يؤثر على أوضاع القضية الفلسطينية الحالية إلا إذا أدى ذلك للمزيد من الانسحاب الامريكي من المنطقة والتدخل الروسي فيها.
أمّا الحالة الثالثة وهي المرجحة وتحمل احتمالات أعلى بكثير من غيرها هو احتمالية التوصل لتفاهم يسمح بخفض التصعيد ويؤدي الى بداية مفاوضات حوار استراتيجي بين الروس والأمريكان وأوروبا حول قضايا الخلاف الرئيسية والتي تقف خلفها رغبة روسية بتغيير النظام العالمي لصالح محور صيني روسي جديد بعدما لاحظ بوتين في ما يبدو ضعفاً أمريكياً في السياسة الخارجية ،وفي هذه الحالة أيضاً قد تتأثر القضية الفلسطينية إيجاباً طالما تعدد أقطاب النظام العالمي وتراجع الدور الامريكي والاسرائيلي في المنطقة ولكنّ هذا يتطلب من القيادة الفلسطينية الرسمية إصلاح نفسها وتعزيز موقفها الداخلي وإعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية واصطفافاتها في المنطقة.
الخلاصة إذاً هي بأنّ القضية الفلسطينية قد تتأثر بطريقة غير مباشرة ومحدودة لما يجري في أوكرانيا وغالبا ًفي اتجاه إيجابي وذلك على فرضية مرجحة بأنّ الروس سيستفيدون من الأزمة وإن بدرجة أقل مما توقعه بوتن أكثر مما ستستفيد أمريكا وحلفاؤها وبصورة أدق قد تستفيد المقاومة من الأمر أما القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني فهي على الأرجح لن تستفيد مما يحدث بسبب رهاناتها الداخلية والإقليمية والدولية الخاطئة .
وبقي التأكيد هنا بأنّ القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية والإسلامية التي يحملها كاتب هذه السطور تجعله يتمنى أن لا تحدث حروب في أي مكان في العالم، وأن تحل المشاكل وتعود الحقوق الى أصحابها الشرعيين بالحوار والدبلوماسية والتعاون والمصالح المشتركة.