قائمة الموقع

مقال: [75] نعمة الأمن في الإسلام

2010-12-20T09:28:00+02:00

أ‌. يوسف علي فرحات     

إن من أعظم نعم الله على الخلق بعد الإيمان ، نعمة الأمن، فالأمن ضدّ الخوف ، والأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوؤه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق.

والأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تحلو بغيره . فما قيمة المال إذا فقد الأمن ؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن؟! كيف تنتعش مناشط الحياة بدون الأمن؟! بالأمن تنبسط وتطمئنّ النفوس والقلوب ، وتتعدد أنشطة البشر النافعة ، ويتبادلون المصالح والمنافع ، وتكثر الأعمال المتنوّعة التي يحتاج إليها الناس في حياتهم ، وتدرّ الخيرات والبركات ، وتأمن السبل، وتتّسع التجارات، وتشيد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها .

و وقد امتنّ الله على قريش بهذه النعمة ، حيث قال الله تعالى : ﴿أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءامِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقًا مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 57]، وقال تعالى: ﴿فليَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ ﴾ [قريش3، 4] .

وها هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لما أكمل بناء بيت الله الحرام يدعو لأهله ﴿ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ ﴾ [البقرة: 126].

دعا لهم بأمرين : أولاً: أن يجعله الله حرمًا آمنًا، وثانيًا : أن يرزقهم من الثمرات. فبدأ بالأمن قبل كل شيء؛ لأن الأمن إذا تحقّق وتمّ حصل به الخير كلّه، فبالأمن يتحقق للعباد مصالح دينهم ودنياهم، بالأمن ينالون الخيرات، يسعون في الأرض، يعملون ويجتهدون، ينتقلون من هنا إلى هناك في طلب الرزق وتأمين المعيشة

وفي حديث يكتب بماء من ذهب ، عن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، هلال رشد وخير، ربي وربك الله).

إن الأمن والاستقرار ركن أساسي من أركان البناء الحضاري ، فهو يهيئ البنية الاجتماعية والنفسية والعلمية لانطلاق أفراد المجتمع جميعاً نحو مسيرة النهضة والتنمية الشاملة فتتعاون في ظل الأمن والاستقرار العقول المبدعة المستنيرة مع الأيدي العاملة المخلصة الأمينة .. وتتطور المؤسسات العلمية ويزداد عددها ويتسع انتشارها لتتوفر للمجتمع حاجاته من العلماء والأطباء والمهندسين والمتخصصين في مختلف فروع العلوم والمعارف ، وتبنى المستشفيات والمراكز الصحية في كل أنحاء الوطن ليجد كل مواطن العلاج المناسب فتختفي الأمراض والأوبئة .

 

  وفي ظل الأمن والاستقرار تستثمر خيرات الوطن وثرواته وتستصلح أراضيه الزراعية وتزدهر التجارة فينمو اقتصاد البلاد ويجد المواطن فرص العمل المتنوعة ويأمن البطالة والفاقة .

    وفي ظل الأمن والاستقرار يُقام العدل وتحترم القوانين وتشيع قيم العدل والمساواة والإخاء والتسامح فيعم البلاد الاطمئنان ويأمن الناس على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم .

      وفي ظل الأمن والاستقرار تتوطد العلاقات الدولية مع بلاد العالم كله ، فيكون الاحترام الدولي المتبادل ويكون التعاون القائم على المصالح المشتركة بعيدا عن الهيمنة والاستغلال .

 بل  إنَّ الصلاةَ – التي هي عماد هذا الدين - لا تكون في تمامٍ وطمأنينة إلاّ في ظلّ الأمن، قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ  فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:238، 239]، وقال تعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

كما أن الحجّ  كذلك لا يتحقّق إلاّ مع الأمن، قال الله تعالى : ﴿ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة:196].

والحدود لا تُقام ولا يُؤخَذ على يدِ المفسدين المجرمين العابثين إلاّ مع تحقُّق الأمن؛ لأنّ ذلك يقتضي قوةَ ونفوذَ وليِّ الأمر على الجماعة، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج:41] .

وإذا كان الأمن مطلب لكل إنسان على هذه الأرض فإنه لا يتحقق بصورته المطلوبة إلا بالإيمان ، بل إن الإيمان يعنى الأمن ، وغيابه يعني الخوف ، لذا كان الشرك والكفر شؤمٌ على أهله ، قال تعالى :َ﴿ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل :112 ] هكذا جلب الكفر لهم الخوف والجوع والفقر ، بعد أن كانوا آمنين مطمئنين في ظلال الإيمان . وهذا يُصدقه قوله تعالى : ﴿ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] .

إن من أهمّ الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنيّة من كافة جوانبها دون كلفة أو إعداد هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن ذلك عماد الدين الذي فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسدّ من خلاله مداخل كثيرة من مداخل الشر على العباد.

بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر ، وهذه هي المسؤلية الجماعية التي أشار إليها حَدّيَثَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا )

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أنجع الوسائل التي تضع حداً لظاهرة الفلتان الأمني في المجتمع بجميع أشكاله ، كما أنه يحافظ على سفينة المجتمع من الخرق ، والغرق .  

 إن المجتمع المسلم مطالب أن يوفر الأمن في المجتمع ليس لأفراده فحسب ، بل لغير أفراده من غير المسلمين ، من أهل الذمة ، الذين يعيشون في كنف وذمة المسلمين من اليهود والنصارى 

وفي حديث الإمام النسائي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا ) .

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00