خايونس – محمد الدواهيدي
يزور زكريا معروف صاحب مصنع لخياطة الملابس, مصنعه المتوقف تماماً عن العمل منذ عدة سنوات, بين الفينة والأخرى, ليمسح الغبار عن ماكينات الخياطة, دون أن يكحل عينيه بأي قطعة ملابس تفصلها ماكينات مصنعه.
ويقول معروف "كان المصنع متعاقداً مع تاجر إسرائيلي، يرسل الأقمشة ومواصفات الملابس, ومصنعنا بدوره يفصل تلك الأقمشة مقابل مبلغ مالي، أما الآن المصنع متوقف تماماً منذ إقفال المعابر".
ويرى معروف أن قطاع الخياطة هو الوحيد المتوقف على صعيد الصناعات, لافتا إلى أن البضاعة المستوردة من الصين ودول أخرى، لم تفتح المجال أمام السوق المحلي.
ومنذ بدء انتفاضة الأقصى، بدأ المقاولون الإسرائيليون الذين يشغلون معظم مصانع الخياطة في قطاع غزة بإيجاد بدائل عن هذه المصانع, لاستخدامها كإحدى وسائل الضغط على قطاع الصناعة الفلسطيني، ما أدى بدوره إلى تلاشي مهنة الخياطة في قطاع غزة, بعدما كانت توفر فرص عمل لما يقارب من 25% من أبناء القطاع.
المستورد كسر السوق
ويقول معروف بحسرة: "المستورد كسر السوق"، ويلقي باللوم على الجهات المختصة التي تسمح للتجار استيراد الملابس من الخارج, ولا تعمل على تشجيع المنتج المحلي كما عملت وزارة الزراعة على تشجيع المزارعين وإنشاء المزارع لتلبية احتياجات السوق المحلي.
أما عن مصير عماله والذي يفوق عددهم على 40 عاملاً, فيقول" أصبحوا الآن بلا مصادر رزق, إلا القليل منهم من الذين وجدوا لهم حرفة ثانية يقتاتون منها, والآخرون يبحثون عن دورات البطالة في مؤسسات الإغاثة".
أما إدريس مسمح صاحب مصنع إدريس للخياطة، فما زال يدفع أجرة مصنعه المتوقف عن العمل منذ خمس سنوات على أمل أن يرفع الحصار الظالم ويعود المصنع لحاله الطبيعي.
واستغل مسمح خبرته بالأقمشة والموديلات، وعمل على فتح بوتيك لبيع الملابس الرجالية, ولكن الوضع الاقتصادي السيئ ، أدى إلى ركود الأسواق وتكدس البضاعة في وجوه أصحاب المحلات.
ونوه مسمح الى انه حاول تشغيل المصنع، إلا أنه لم يستطع الاستمرار ومنافسة البضاعة المستوردة, بسبب عزوف الزبائن عن شراء المصنوعات المحلية, ويتابع قائلا "السبب الآخر هو عدم وجود فروق مغرية في السعر بينها وبين المستورد لغلاء الأقمشة المتوفرة, التي تُهّرب أغلبها عن طريق الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة ورفح المصرية.
صفر %
بدوره أكد نائب مدير عام الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل عبد الله كلاب أن التدهور في قطاع الخياطة ظهر منذ عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى، مرورا بعدة مراحل ما أدى في نهاية المطاف إلى تلاشي هذه المهنة في قطاع غزة .
ويقول كلاب "قبل عام 2002 بلغ عدد المصانع 928 مصنعا وعدد العاملين فيها يقارب 40 ألف عامل، وخلال فترة انتفاضة الأقصى تدني هذا العدد إلى ألف عامل، وفي الوقت الحالي وصل عدد العاملين في مصانع الخياطة إلى 57 عاملا فقط, يعني بنسبة صفر %".
ويشير إلى أن هناك العديد من مصانع الخياطة التي دمرها الاحتلال، سواء بالقصف أو الهدم خلال اجتياحات القطاع المتكررة، لقربها من المناطق الحدودية.
ويضيف: "السبب الرئيس للمشكلة يعود إلى ارتباطات أصحاب مصانع الخياطة مع المقاول الإسرائيلي، وتوقف هذه الارتباطات نتيجة الحصار، إضافة إلى فتح باب الاستيراد بدون رقابة مما أثر على المنتج الوطني سلباً، وأدى إلى تدهور الوضع في المصانع المحلية.
ويكشف "للرسالة نت" قائلاً "إن تدهور هذه الحرفة خلفت ورائها ما يقارب 25% من الأيدي العاملة تحت بند البطالة, وأن استغلال هذا الكم من أيدي عاملة قطاع غزة وتصدير صناعتهم لصالح المقاول الإسرائيلي إلى أوروبا, يدل على مدى مهنية وحرفية عمال هذه القطاع".
وعن منع استيراد الملابس الجاهزة من تركيا والصين وغيرها, أوضح كلاب أن غزة تنتهج سياسة السوق المفتوح حسب الاتفاقيات الموقعة, ولكن لحل هذه المشكلة قد يُستبدل المقاول الإسرائيلي بالتركي, مؤكداً أن تركيا من البلاد المتقدمة في مجال الصناعة والغزل, وهذا ما يعوقه الإغلاق المستمر من الجانب المصري .
وعن مطالبة عمال المصانع بحقوقهم وفقا لقانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2000 بغض النظر عن ظروف أصحاب العمل, عقدت وزارة العمل ورشة بعنوان " واقع أصحاب مصانع الخياطة ومشاكلهم.
وخرجت الورشة بتوصيات تنص على تفعيل وإحياء قطاع الخياطة, وإيجاد جهة تعوض العمال في مستحقاتهم بديلا عن صاحب المصنع غير القادر على دفع المستحقات لحمايته من العقوبات.
الحصار السبب
وأظهرت دراسة فلسطينية متخصصة نُشرت نتائجها حديثاً، أن 70 في المائة من المنشآت الاقتصادية في قطاع غزة متوقفة عن العمل جراء الحصار الإسرائيلي.
وأوضحت الدراسة التي أعدها معهد دراسات التنمية في غزة، أن إغلاق المنشآت الاقتصادية مستمر في قطاع غزة بدرجة عالية بسبب استمرار "إسرائيل" في حظر توريد المواد الخام ومنع التصدير إلى الخارج.
وأوضحت أن تضرر الأنشطة الاقتصادية نتيجة للحصار أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في القطاع، وتدني مستويات المعيشة وارتفاع نسبة الفقر، برغم المعونات الإنسانية والتنموية المقدمة لغزة.
منذ تشديد الإغلاق في حزيران العام 2007، لم يكن هناك أي نشاط تصديري، باستثناء تصدير حوالي 160 شاحنة من المحاصيل الموسمية, ما يعني أن حركة التصدير غير قائمة عمليا منذ عامين .