قائد الطوفان قائد الطوفان

الإخراج فاشل.. والمشاهد ذكي

طارق وليد النجار
طارق وليد النجار

طارق وليد النجار

بينما يسير الرجل في طريقه ليلا؛ وجد طفلة لم تتجاوز الشهرين من العمر، ملقاة على قارعة الطريق؛ فأخذها وترعرعت في كنفه؛ كبُرت الطفلة وأصبحت شابة قوية؛ في حين أعْمَل الزمن عمله في جسد هذا الرجل ليصبح شيخا ضعيفا، وتمر الأحداث فيظهر رجلا كهلا احدودب ظهره بالمفاجأة الكبرى؛ أن الطفلة التي كانت ملقاه على قارعة الطريق هي أم الرجل الذي وجدها، في ختام مشاهدة فلم هندي بهذه الأحداث الغريبة والمخالفة للطبيعة ما عليك إلا أن تضرب كفا بكف وتندم على قضاء وقتا في انتظار النهاية؛ فكيف يكون المولود أكبر من الوالد، الجزء أكبر من الكل، حتى وإنْ كان الفلم هنديا.

مخرج الفلم لم يكن سياسيا وبالطبع ليس فلسطينيا، إلا أن فكرة الفلم وجدت لها صدى في أروقة السياسية الفلسطينية؛ فمنظمة التحرير التي ينُظر إليها الكل كمظلة جامعة للفلسطينيين وحتى القوى الفلسطينية التي خارج المنظمة تراها كذلك، هذه المنظمة ومع اتفاقية أوسلو أنجبت السلطة الفلسطينية، هذه السلطة التي بقيت وتمددت على حساب المنظمة فكان منها الوزراء والسفراء، وحازت على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة؛ فنسى القائمون على هذه السلطة أُمُهم، بل اعتبروا أن أمهم هي بنتهم، وهي جزء من سلطتهم، وتناسوا أننا في مرحلة التحرر ولسنا في مرحلة الدولة.

قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر دولة فلسطين، يناقض القانون الأساسي الفلسطيني وحتى يناقض إعلان الاستقلال عام 1988م، بل إن أبو مازن أراد بهذا القرار قطع الطريق أمام كل من يحاول الدخول لمنظمة التحرير دون الاعتراف باتفاقية أوسلو التي انبثقت عنها السلطة الفلسطينية والتي تعتبر المنظمة جزء منها، وكذلك قطع الطريق أمام المنادين بإصلاح منظمة التحرير أو العودة بها إلى ميثاقها الأساسي.

مضى كثير من كتاب ومفكرين وأكاديميين زهرات شبابهم وأعمارهم ينادون بإصلاح هذه المنظمة دون جدوى وكأننا نشاهد مسلسلا مكسيكيا مكونا من (عُشرمية) جزء، وفي كل جزء يظهر أبطال(صغار) جدد يأخذوننا في متاهات لا تنتهي؛ حتى فقد المشاهد شغفه بالمسلسل، كما فقد كثير من أبناء الشعب الفلسطيني الثقة في قيادتهم وبقدرتهم على تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى؛ إلا أن هناك أملا يلوح بين الفينة والأخرى يتمثل في تقارب الفصائل الفلسطينية التي تؤمن بالمقاومة، والتي كانت الغرفة المشتركة إحدى تجليات هذا التقارب.
بينما تستقوي الفصائل المُقَاوِمة بالشعب الفلسطيني في مواجهة "إسرائيل" فإن مشروع السلطة الفلسطينية يستقوي بـــ"إسرائيل" والخارج على هذه الفصائل، والاستقواء بالشعب أبقى وأمتن، ولذلك فإنه التوجه الشعبي الفلسطيني في غزة والضفة والداخل المحتل؛ نحو قائد المقاومة محمد الضيف الذي أصبح رمزا للكبرياء الفلسطيني والعربي؛ يعبّر عن وعي كبير لدى الشعب الفلسطيني، وعلى الفصائل التي ما زالت ترفض نهج السلطة أن ترقى بفعلها الثوري لتصل إلى وعي الشعب الفلسطيني الذي ينادي بالمقاومة وقائدها ممثلا لهم، وتنفض عن نفسها غبار الجدالات السياسية والإعلامية التي لا طائل من ورائها ولا تحقق سوى هدف السلطة الفلسطينية في إطار سعيها لإغراق الكل الفلسطيني في دوامات لا تنتهي، فالشعب الفلسطيني يعي إخراج الأفلام الهندية ويكفر سريعا بالمسلسلات المكسيكية.

البث المباشر