المعركة التي تخوضها روسيا اليوم مع أمريكا والغرب ليست معركتها وحدها، بل هي معركة الصين أيضاً على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، فالصين لن تكون جزءاً من المعركة العسكرية بطبيعة الحال، لكنها ستكون جزءاً مهما من الحل للأزمة الاقتصادية التي من المتوقع أن تعصف بروسيا جراء العقوبات الغربية التي فُرضت وتُفرض عليها.
لذلك لا يُتوقع أن تؤثر العقوبات الاقتصادية مهما بلغ حجمها على السلوك السياسي والعسكري الروسي فيما يتعلّق بالأزمة الأوكرانية، فالصين ليس من مصلحتها أن تُهزم روسيا أمام الولايات المتحدة، وستعمل على مساعدة روسيا بشكل كبير في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية، كي لا تسجّل واشنطن انتصاراً واضحاً على أحد أبرز القوى في المعسكر الشرقي، بعد هزيمتها المذلة في افغانستان.
ناهيك أن الصين بحاجة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي الروسي في مواجهة الولايات المتحدة بما يخص قضية تايوان، والتي تعتبرها الصين أراضٍ صينية خالصة، فضلاً عن حاجة الصين الكبيرة للغاز الروسي، والذي سيجد في السوق الصيني بديلاً جيداً عن السوق الأوروبي حال استطاعت أوروبا إيجاد بدائل وحلول لحاجتها للغاز الروسي من خلال تنويع مصادر الطاقة.
لكن في حال تمكنت أوروبا من الاستغناء عن الغاز الروسي - وهذا صعب على المدى القريب كما يتحدث المراقبون- فإن روسيا ستفقد الأهمية الجيواقتصادية والنفوذ الكبير الذي تمارسه على أوروبا عبر ملف الغاز، ما يعني أن روسيا ستفقد الكثير من تأثيرها في الساحة الدولية، وستبقى رهينة للصين، لأن الصراع الحقيقي في العالم ليس بين روسيا وأمريكا، وإنما بين "واشنطن" والقوة الاقتصادية الصاعدة "بيكين".
من الواضح أن بوتين وقع في الفخ تماماً، فإنه إن آثر طريق السلام والدبلوماسية حالياً، فهذا سيعني رضوخاً واستسلاماً أمام العقوبات الاقتصادية الغربية؛ ما سيشجع الناتو على التمدد أكثر فأكثر شرق أوروبا بما يهدد الأمن القومي الروسي، وإن آثر طريق الحرب وقرر غزو أوكرانيا بالكامل "وهذا مستبعد"، فهذا يعني أنه يحقق لأمريكا مرادها بالغرق في المستنقع الأوكراني من جهة، وستصبح روسيا رهينة للابتزاز الصيني من جهة أخرى بعد فقدها "ورقة التوازن" الدولي في ملف الغاز، حين يصبح السوق الصيني هو السوق الوحيد للغاز الروسي.
أمام ذلك تجد روسيا نفسها أمام خيارات صعبة، ويقع على عاتق بوتين وفريق مستشاريه البحث عن حلول وسط تحفظ لروسيا قوة تأثيرها في النظام الدولي، وأظن أن الطريق الأمثل لذلك هو اللعب على وتر ضعف الموقف الأوروبي الداخلي، وسعي القوى الكبرى في أوروبا كألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية بعيداً عن الهيمنة الأمريكية على القرار الأوروبي.