قائمة الموقع

مقال: العلاقات الروسية الأوكرانية: تاريخ يضج بالحروب غير المُعلنة

2022-02-26T09:15:00+02:00
ياسين عادل خضر
ياسين عادل خضر

ما يخفى على كثير من المتابعين للأحداث الدائرة حالياً بين روسيا وأوكرانيا أن الأزمة لم تكن وليدة حدثٍ واحد، وهي ليست على الوجه الذي نشاهده، بل إن خفايا وكواليس هذا الأمر تمتد إلى تاريخ حافلٍ بالدم ولرُبما ما نتابعه الآن ليس سوى البداية فحسب.

فمنذ انهيار الإتحاد السوفييتي عام 1991م انفصلت عنه العديد من الدول والتي من ضمنها أوكرانيا، في الوقت الذي صدّرت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كشرطي العالم بحكم تعاظم قوتها العسكرية، الأمر الذي كان له أثر كبير على نفس ضابط الاستخبارات السوفييتي فلاديمير بوتين آنذاك، والذي بات يعمل بشكل واضح نحو إعادة إحياء الإتحاد السوفييتي عندما أصبح رئيساً لروسيا صاحبة الترتيب الثاني لأكبر قوة عسكرية في العالم.

علاقة تاريخية

تعود العلاقة التاريخية بين روسيا وأوكرانيا إلى العصور الوسطى، فجذورهما تمتد إلى دولة " كييف روس" وهي دولة سلافية شرقية اتحادية منذ القرن التاسع حتى منتصف القرن الثالث عشر، وهذا ما يُفسر التقارب الكبير بين الثقافة الروسية والأوكرانية من جهة وتقارب اللغة بينهما من جهة أخرى.

يذكر التاريخ أن روسيا تطورت حتى القرن السابع عشر لتصبح إمبراطورية، وهذا جعل من غالبية الأراضي الأوكرانية الحالية تقع ضمن نطاق نفوذها آنذاك فضلاً عن التبعية السياسية لها، وعند إنهيار تلك الإمبراطورية عام 1917 استقلت أوكرانيا لفترة قصيرة حتى أُعيد احتلالها مرة أخرى من قبل روسيا السوفييتية.

وظلت اوكرانيا واحدة من الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفييتي حتى انهياره عام 1991 وحصلت فيما بعد على استقلالها الذي وافقت عليه روسيا ضمن ما سُمي بـ "الاتفاق الكبير" باعتراف الأخيرة بحدود أوكرانيا عام 1997م.

بداية الأزمة الروسية الأوكرانية

الأزمة الروسية الاوكرانية لم تبدأ في العام 2014 كما يعلم الكثير، بل لها جذور ممتدة إلى عام 1991م وهو العام الذي سجّل نهاية الاتحاد السوفييتي وانهياره وتفكك جمهورياته، حيث سعت روسيا مسرعة إلى محاولة الحفاظ على نفوذها على الجمهوريات السوفييتية السابقة وأسست رابطة الدول المستقلة.

وظنت روسيا آنذاك أنها سوف تُسيطر على أوكرانيا من خلال إمدادها بالغاز بثمن منخفض لكنه الأمر الذي لم تنجح فيه، وفيما قامت روسيا ببناء تحالف وثيق وقوي مع بيلاروسيا كانت أوكرانيا تُركز على علاقاتها مع الغرب الأمر الذي أغضب الكرملين لكنه لم يرتقِ إلى مرحلة الصراع التي نشهدها حالياً لأسباب عدة كان أهمها انشغال روسيا بحربها في الشيشان في وقته، إضافة إلى عدم وجود مساعي غربية لضم أوكرانيا.

محطات تصدّع العلاقات الروسية الأوكرانية

برزت العديد من التطورات التي أدّت إلى حدوث صدع وشرخ كبير في العلاقات الروسية الأوكرانية وكان في طليعتها أزمة سد مضيق كريتش عام 2003م، حيث شرعت روسيا ببنائه دون تنسيق مع أوكرانيا الأمر الذي اعتبرته الأخيرة محاولة لإعادة ترسيم الحدود بين البلدين ليحتد الصراع بينهما لكن تم ضبط الأمر بلقاء ثنائي جمع بين الرئيس الروسي والاوكراني آنذاك.

ثم بدأت روسيا تتدخل بالشأن الاوكراني بحِدة حين دعمت المرشح المُقرب منها فيكتور يانوكوفيتش في الإنتخابات الأوكرانية بأشكال متعددة لكنه خسر وفاز المرشح المقرب من الغرب فيكتور يوشتشنكو، والذي قامت روسيا بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا مرتين في فترة حُكمه كان أحدها في العام 2006م وثانيها في العام 2009م.

لكن الحدث الأبرز في هذا السياق هو محاولة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش ضم جورجيا وأوكرانيا ضمن حلف شمال الأطلسي عام 2008م ما أجج احتدام العلاقات بين البلدين، وخرج بوتين مستنكراً ومُحتجّاً على هذا الأمر الذي لم يتم بعد تدخل فرنسا وألمانيا، حينها صرحت روسيا بشكل مُلفت أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا.

ثم هناك الأزمة السياسية التي تدخلت فيها موسكو بضغوط قوية أجبرت الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لها لتعليق العمل باتفاقية التعاون بين أوكرانيا والإتحاد الاوروبي عام 2013م، ما أدى لاندلاع احتجاجات مؤيدة للعمل مع أوروبا والغرب نتج عنها إقالة يانوكوفيتش ورحيله إلى روسيا عام 2014م.

الحدث الفارق في تاريخ العلاقات الروسية الأوكرانية

في مارس / آذار من العام 2014م كانت أوكرانيا تعاني من حالة من الفراغ السياسي أو "فراغ السلطة"، وهو الامر الذي تنبهت له روسيا فقامت بعملية عسكرية استولت بها على شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الناطقة بالروسية وقامت بضمها ضمن حدودها.

وفي نفس الوقت كانت هناك قوات شبه عسكرية روسية تحتشد في إقليم دونباس شرق أوكرانيا تُطالب بالثورة، وفي ذات الوقت أيضاً تم الإعلان عن جمهوريتان شعبيتان في دونييتسك ولوغانسك والجدير ذكره هنا أن الرؤساء لتلك الجمهوريتين هما روس.

وعند انتهاء الحكومة الاوكرانية من الإنتخابات وتحديداً في مايو / آيار من العام 2014م أطلقت عملية عسكرية كُبرى ضد تلك المناطق، وحاولت عدة دول التدخل لوقف إطلاق النار حتى تم التوصل بالفعل لاتفاق في سبتمبر / ايلول يقضي بوقف إطلاق النار بين الانفصاليون والحكومة الاوكرانية وهي اتفاقية مينسك.

ثم تأججت الأوضاع مرة أخرى في اقليم دونباس في بداية عام 2015م، عندما شن الانفصاليون هجوماً إدعت كييف أنه تم بمساعدة القوات الروسية على مدينة ديبالتسيفي والتي مُني فيها الجيش الأوكراني بهزيمة مدوية اضطر على إثرها للهرب منها، وبرعاية غربية هذه المرة تم التوصل لاتفاق مينسك 2 لوقف إطلاق النار بين الطرفين.

أخيراً

إن التخوف الروسي من انضمام أوكرانيا لحلف الناتو جعله يتخذ خطوات صعبة نوعاً ما، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً اعترافه بالانفصاليون في إقليم دونباس في جمهوريتي دونييتسك ولوغانسك بل وقام بتوقيع اتفاقية لدعم الأمن في تلك المناطق الأمر الذي جعله يتدخل عسكرياً بحجة حماية المدنيين لكن الاهداف التي يعمل من أجلها بوتين قد تتعدى ما هو أبعد من ذلك، فهو الذي يرى أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من روسيا السوفييتية، أو على الأقل هذا ما عبر عنه في خطابه الشهير الذي اعترف فيه بسيادة الإنفصاليين واستقلالهم في الأقاليم السابق ذكرها.

إن القارئ للتاريخ يرى بشكل واضح المحاولات المستميتة لأوكرانيا للوصول إلى اتفاق يقضي بحفظ أمنها عبر التحاقها بحلف شمال الأطلسي بل وطموحها في عقد التعاون مع الغرب، وفي نفس الوقت يرى حجم الضيق والانزعاج من قبل الكرملين ويجعله يتخذ خطوات تسير باتجاه حرب لربما تصبح حرباً عالمية لاحقاً لكثر التطورات المعقدة فيها.

 

اخبار ذات صلة