قبل ساعة من استشهاده، كتب المطارد، ابن جنين، عبد الله الحصري -22 عاما- على صفحته الفيسبوك "لم يرشدنا أحد إلى الطريق، تعلمنا كل شيء من أخطائنا"، فهو الشاب العنيد المقاوم الذي يراوغ جنود الاحتلال في أزقة مخيمه، ويتخفى من أجهزة السلطة التي تطارده لمشاركته في أعمال المقاومة ومواجهة المحتل.
فجر الأول من مارس، أفاق أهالي مخيم جنين على صوت الرصاص، فأدركوا أنها مواجهة مع أحد أبطال المخيم وجنود الاحتلال كما اعتادوا، فرغم تكرار الواقعة إلا أن أبطالها دوما مميزون ولكل منهم حكاية في النضال ومقارعة المحتل.
ليلاً، وقبل أن يخلد الحصري للنوم، وصلته رسالة على هاتفه المحمول بأن قوات الاحتلال اقتحمت المخيم، حمل سلاحه وانطلق بسيارته ملثماً، وحين وصل ساحة الاشتباك أوقف السيارة في وسط الشارع وفتح بابها وتناول بندقيته ووضع الرصاص في بيت النار، ركض حتى وقع على الأرض من سرعته لمقابلة العدو.
قام ووقف على قدميه ووجه بندقيته نحو هدفه الثابت الواحد الوحيد، أطلق رصاصته الأولى فالثانية فالثالثة فالرابعة إلى أن جاءت رصاصات الحقد وأصابته، وأصبعه على الزناد فارتقى شهيداً.
لم يخرج الحصري للدفاع عن نفسه، بل حين علم بأن قوت خاصة تسللت إلى المخيم لاعتقال عماد أبو الهيجا ابن القائد في حركة حماس "جمال"، هرع إلى الأزقة ليتصدى لتلك القوات من مسافة صفر كما ذكر القيادي خضر عدنان "للرسالة نت".
وبحسب القيادي عدنان، فإن نيل الحصري للشهادة يعتبر رداً على كل من أراد أن يوقفه عن مقاومة الاحتلال، مؤكداً أن الشهيد فاز على كل من اعتقله في سجن أريحا وجلد ظهره ليثنيه عن المقاومة، وفاز على كل من حرّض ضده على المستويات السياسية.
كما وصف الشهيد بأنه رغم صغر سنه إلا أنه كان متدينًا، ومخلصًا ومحبًا لشعبه وأهله ومقتنعًا بالمقاومة، وكان يقاوم المحتل من نقاط قريبة جدًا، لافتًا إلى أن آخر عمل قام به الحصري هو إذاعة بيان باسم قوى المقاومة نصرة لخضر عدنان بعد تعرضه لرصاص أحد الأشخاص التابعين لسلطة رام الله.
ولم يتعرض الحصري للملاحقة وحده، بل لاحقت عناصر أمن السلطة في رام الله عائلته، بتهمة الصمت والتستر عليه وإخفاء دراجته النارية التي يستخدمها في أعمال المقاومة في غرفة نومه.
وذاق الشهيد قبل ارتقائه معنى الأسر والجرح، فقد عاش أسيراً وأصيب في إحدى المواجهات، ومحبة الناس له كانت جلية لحظة وداعه من مستشفى ابن سينا في مدينة جنين.
وقبل نيله الشهادة سُربت أوراقٌ لقائمة المطلوبين لأجهزة السلطة في مخيم جنين بسبب أعمال المقاومة، وتزينت تلك الورقة باسم الشهيد عبد الله الحصري، وتستعرض "الرسالة نت" رحلته من الاعتقال والمطاردة ما بين السلطة والاحتلال حتى الشهادة:
- 18/7/2018 أُفرج عنه من سجون الاحتلال بعد اعتقال دام عامين.
- 12/2/2019 اختطفته اجهزة أمن السلطة وأفرجت عنه بتاريخ 13/3/2019
- 16/6/2019 اعتقله الاحتلال وأفرج عنه بتاريخ 19/8/2021 بعد اعتقال دام 26 شهراً.
ورداً على استشهاد الحصري، قال أبو معاذ الناطق العسكري باسم كتيبة جنين: "إذا كان العدو الصهيوني يعتقد أننا نائمون وغافلون عن مخيمنا فهو واهم أشد الوهم وما حدث له اليوم برهان كبير على يقظة مجاهدينا وترقبهم".
وأضاف: "يمضي الحصري بعد حياة حافلة بالجهاد والمقاومة ويشهد الله على ذلك ونحتسبه عند الله ولا نزكي على الله أحداً"، مشدداً على أن مخيم جنين صامد، والبشرى قادمة والعدو يعلم عن ماذا نتحدث وماذا فعل بهم الشهيد المجاهد عبدالله الحصري".