كيف سيطر فريق عباس على منظمة التحرير؟

غزة- محمود فودة

عمد محمود عباس وفريقه على مدار السنوات الماضية إلى إحكام السيطرة على منظمة التحرير، من خلال سلسلة قرارات وقوانين وإجراءات، فرّغت المنظمة من دورها ومركزها، إلى أن باتت مؤسسة على هامش سلطة حركة فتح.

وفي ظل القرار الذي اتخذه عباس باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر "دولة فلسطين"، يصبح فريق عباس للتنسيق الأمني بذراعيه ماجد فرج وحسين الشيخ المسيطر على كل مكونات التمثيل الفلسطيني، في حين إنهم لا يمثلون فتح التي ينتمون إليها عِوضاً عن الرفض الفلسطيني العام لهم.

وتاريخيًا، فإن عباس سعى للسيطرة على المنظمة وشرعيتها منذ أن كان رئيسا للجنة التنفيذيّة عام 2004، من خلال تثبيت أركان حكمه ومواجهة خصومه داخل الحركة أو خارجها.

كما لجأ عباس إلى جعل المنظمة بديلا عن الشرعية الانتخابيّة عند اقتراب انتهاء ولايته من رئاسة السُّلطة الفلسطينيّة عام 2008، باستدعائه شرعيّةَ المنظمة من بوابة المجلس المركزيّ لينتخبه رئيساً لدولة فلسطين، وذلك تجنباً لتنظيم انتخابات رئاسيّة أو شغور المنصب.

واستكمل عبّاس مسارَ ترميم شرعيته بعقد جلسة طارئة للمجلس الوطنيّ، شهدت توافقاً على تشكيل جديد لأعضاء اللجنة التنفيذيّة بعد شغور 6 مقاعد فيها، وهكذا ثبّت عبّاس سيطرته وتحكمه في ثلاث رئاسات: اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، والسلطة، وحركة "فتح".

وعلى الصعيد المالي للمنظمة، أوجد عباس حالة من غياب الشفافية الماليّة، بتعيينه رمزي الخوري مديراً للصندوق، وتمكّن عبره من التحكم في الملفات الماليّة للمنظمة، مُستغلّاً ضعف حضور رئيس مجلس إدارة الصّندوق وعضو اللجنة التنفيذيّة محمد زهدي النشاشيبي.

وعلى الرغم من انعقاد المجلس الوطنيّ عام 2018 وإعادة تشكيل اللجنة التنفيذيّة، إلا أنّ عباس كان حريصاً على إبقاء رئاسة مجلس إدارة الصّندوق شاغرة دون أن يتولاه أيٌّ من أعضاء اللجنة، ومكّنت هذه الوضعية عبّاس من استخدام المال المُخصّص للفصائل الفلسطينيّة كأداةٍ للثواب والعقاب.

ولطالما طمّع عباس الفصائل بمقاعد التنفيذية من أجل المشاركة في المجلس الوطني، حيث شاركت الديمقراطية عام 2018 طمعاً بالحفاظ على رئاستها لدائرة شؤون المغتربين التي سيطرت عليها لسنوات طويلة، إلا أنّ عباس تنكَّر لها ومنح "فتح" رئاسة تلك الدائرة.

تكرر ذات السيناريو مع المبادرة الوطنية، التي طمحت من وراء مشاركتها في المجلس تولّي أمينها العام مصطفى البرغوثي عضوية اللجنة التنفيذية، لكنها لم تحصل على ذلك، ما دفعه لعدم المشاركة في الاجتماع المركزي الذي عُقد قبل أسابيع في رام الله.

كذلك، امتدّت لعبة حركة "فتح" في السّيطرة على اللجنة التنفيذيّة إلى مقاعد المُستقلين، إذ استخدمتها بتعيين شخصيات أو شخصيات مقرّبةٍ من "فتح".

وفي تشكيل اللجنة التنفيذية عام 2018 اعتبرت المنظمة كلٌاً من الآتية أسماؤهم "مستقلين": أحمد أبو هولي النائب سابقاً عن حركة "فتح"، وأحمد بيوض التميمي عضو المجلس الثوريّ سابقاً، وعلي أبو زهري وزياد أبو عمرو الوزرين السابقَين والمقرّبَين من "فتح".

وبناءً على ما سبق، تمكَّن فريق التنسيق الأمني بقيادة عباس من فرض هيمنته على منظمة التحرير، بل والمجال السياسيّ الفلسطينيّ، مُستفيدًا من توظيف مُقدّرات المنظمة لصالح قادتها.

وثمة من يرى أن منظّمة التحرير انتهت وفقدت كُل معانيها، ودلالاتها، مُنذ أن جرى الاعتِراف بدولة الاحتلال ووقّعت قِيادتها اتّفاق أوسلو باسمها، وتعهّدت بتشكيل قوّات أمنيّة لتعمل كأداة لحِماية الاحتِلال ومُستوطنيه.

وفي التعقيب على ذلك، قال محمود العجرمي الدبلوماسي الفلسطيني السابق، إن عباس وفريقه تمكنوا فعلياً من السيطرة على منظمة التحرير بجميع مؤسساتها وأذرعها داخلياً وخارجياً، من خلال جملة من الإجراءات والقرارات التي تمت بعيداً عن الطريق القانوني والوطني.

وأضاف العجرمي في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن القضية الفلسطينية باتت تدفع ثمن تفرد عباس وفريقه بالقرارات الفلسطينية الرسمية، سواء الصادرة عن منظمة التحرير أو السلطة، مشيرًا إلى أنها سيطرة مقصودة لإضعاف الموقف الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بدرجة أولى، وكذلك مواجهة الحراك الفلسطيني الداخلي المقاوم.

وأوضح أن عباس بسيطرته على المال والقرار، حوّل المنظمة إلى مؤسسة يتحكم ببوابتها، فيسمح لمن أراد ويرفض من يخرج عن طوعه، كفصائل المقاومة الفلسطينية والفصائل الرافضة لنهج التسوية الذي يتبناه عباس.

وبيّن أن الموقف الحالي للمنظمة يستدعي موقفاً وطنياً مواجهاً له، بتداعي كل الفصائل الرافضة لسياسات التفرد من عباس، لتشكيل جبهة وطنية ذات ثقل حقيقي على الأرض، بما يرغم عباس على التراجع عن كل خطواته بحق البيت الفلسطيني، وإعادة المنظمة إلى وضعها الحقيقي، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وأن تكون السلطة جزءاً من المنظمة لا العكس.

البث المباشر