قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: هرتسوغ في أنقرة.. ماذا بعد؟!

أمين بركة
أمين بركة

أمين خالد بركة

بعد 12 عاما من القطيعة الدبلوماسية بين تركيا والكيان الصهيوني على خلفية الاعتداء الصهيوني على سفن "أسطول الحرية" ما أدى لاستشهاد عشرة من المتضامنين الأتراك، وجرح خمسين آخرين، ها هو رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ يزور أنقرة، ويلتقي نظيره التركي رجب طيب أردوغان، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في نوعية العلاقات بين الجانبين.

تأتي هذه الزيارة، في ظل تصاعد التأييد العالمي للقضية الفلسطينية عقب معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة الفلسطينية بمايو الفائت، وما تبعها من تقارير دولية تُدين جرائم الاحتلال الصهيوني وتطالب بمحاسبته على جرائمه بحق الفلسطينيين وليس أدل على ذلك من تقرير "أمنستي" الذي وصف ممارسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين بالفصل العنصري وارتقاها إلى جرائم ضد الإنسانية؛ وقبل ذلك تصاعد انتهاكات الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص.

طبعا شكلت هذه الزيارة طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يحتاج في هذا التوقيت الحساس إلى تضافر الجهود الدولية للوقوف بجانبه ووقف الانتهاكات الصهيونية بحقه؛ وليس التطبيع مع الاحتلال ورفع أعلامه في العواصم العربية والإسلامية وتبادل الأحضان والقبلات معه.

لم تخلو زيارة هرتسوغ لتركيا من إثارة الجدل ما بين مؤيد ومعارض لها، فقد ساق بعض العرب والأتراك، الظروف والمحفزات التي دفعت أردوغان باتجاه إعادة العلاقات التركية الصهيونية، خاصة في ظل حاجته لدعم اقتصاد بلاده الذي نزف كثيرا في الفترة الماضية، وأنه بمقدور الكيان -بحسب هؤلاء- ضخ ما مجموعة 10 مليار دولار سنويا في الاقتصاد التركي، وأيضا هناك نقطة مهمة -أثارها المؤيدين للزيارة- وهي المتعلقة بالتنافس التركي مع اليونان وقبرص لتأمين ممر في شرق البحر المتوسط لتوصيل الغاز الطبيعي الصهيوني إلى أوروبا، وأيضا التغيرات المتتالية في البيئات الإقليمية والدولية التي تحتم على الطرفين استئناف العلاقات.

في المقابل، رفضت الشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، أي تواصل عربي وإسلامي مع الكيان الصهيوني من شأنه أن يتيح الفرصة للكيان لاختراق المنطقة والعبث بمصالح شعوبها وتشجيعه على مواصلة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ولعل ما شهدناه من رفض عارم للزيارة ومظاهرات شعبية في تركيا تندد بها، وتصف هرتسوغ بأنه مجرم حرب، وتمزيق الأعلام الصهيونية واستبدالها بالعلم الفلسطيني؛ لخير دليل على ذلك.

وبين هذا وذاك، يرى فريق ثالث أن هذه الزيارة شكلية، ولا يمكن للعلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني أن تتطور، مستدلين بالمواقف التاريخية الحادة لتركيا تجاه انتهاكات الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، ورفضها أي محاولات للمساس بالقدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، ووقوفها في وجه الحصار على قطاع غزة، وتأكيدها على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة وإنهاء الاحتلال، وهي المواقف التي جاهرت بها الدبلوماسية التركية مرارا وتكرارا منذ وصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم، كما أن تركيا تستضيف بعض قيادات حركة حماس على أراضيها، وهو ما يرفضه قادة الكيان الصهيوني ويطالبون أنقرة بترحيلهم.

إذا كانت أنقرة تعتقد أن ترميم العلاقات مع الاحتلال الصهيوني سيدر عليها المال وسيصلح اقتصادها بضخ استثمارات صهيونية فيه، وإشراكها في نقل الغاز الطبيعي الصهيوني إلى أوروبا؛ فهي واهمة، فالجميع يدرك أن الصهاينة لا يهمهم إلا مصالحهم ويسعون بكل قوة لتدمير الشعوب العربية والإسلامية ونهب ثرواتها، وتبديد أحلامها، وبث الفرقة بينها.

وإذا كانت تعتقد أنه بإمكانها أن تنال رضا الولايات المتحدة الأميركية والغرب من وراء هذه الخطوة، فهي واهمة أيضا، فالأمريكان ومن خلفهم الغرب لن يرضوا عن أي عربي أو مسلم حتى لو أشعل لهم أصابع يديه شموعاً.

في النهاية، يبدو أن هناك رغبة لدى الطرفين التركي والصهيوني في اتجاه تحسين العلاقات واتخاذ خطوات متقاربة في هذا الشأن، ولا نستغرب كثيرا إذا ما شاهدنا خلال الأيام القادمة طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحط في مطار "بن غوريون" الصهيوني، مثلما حطت قبل مدة قصيرة في مطار أبو ظبي التي ناصبت تركيا العداء، فيما وصف أردوغان تطبيعها مع الكيان الصهيوني بالسلوك المنافق!

البث المباشر