الحاجة "أبو كويك" .. إصرار على العودة رغم عناد الحياة

الرسالة نت-كمال عليان

على كرسي متحرك يسكن الحزن بين ثناياه المتهالكة، وبين جدران بيت متواضع في إحدى أزقة مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة تجلس الحاجة الثمانينية نعمة مطر خميس "أبو كويك".

أعوام طويلة مرّت على الحاجة أم عبد الله دون ان ترى بناتها وأبنائها الستة في قطاع غزة، وهي تقبع في غياهم التهجير والإبعاد القصري عن بلادها فلسطين.

رائحة البلد العتيقة التي تحتل قلب أم عبد الله وذاكرتها هي ما تمدّها بأبجديات القوة لتقف صامدة أمام رياح الإبعاد والتهجير التي عصفت ببلدتها الأصلية "اللد" شمال فلسطين المحتلة، لتهجر في عام 1948م إلى مدينة "بيرزيت" بالضفة الغربية.

ورغم أنها تحملت قسوة التهجير والإبعاد عن أرضها وبيتها في اللد، إلا أن الاحتلال الصهيوني كان له رأي آخر ليزيد من معاناتها، فكان احتلال مدن وقرى الضفة عام 67 لتهجر مرة أخرى إلى الأردن عبر معبر الكرامة.

أم عبد الله التي تغلف تقاسيم وجهها خطوط الزمن وتقلباته، تكشف لك نبرات صوتها عن الإرهاق الذي لحق بها من عوامل وظروف التهجير والإبعاد عن وطنها، وطول الانتظار للقاء الأحباب، بعدما حرمت من رؤية زوجها وابنائها في غزة حتى تردت احوالها الصحية والنفسية.

وكانت ام عبد الله تعيش في منزل متواضع في عمان، وبعد مرضها استغاث جيرانها بالصليب الاحمر الدولي في محاولة لإعادتها الى ذويها مرة اخرى بقطاع غزة.

واستجابت السلطات المصرية لمطلب الصليب الاحمر الدولي ووافقت على اعادة أم عبد الله الى القطاع، خاصة وانها حاولت ذلك مرارا لكنها لم تفلح بسبب الاجراءات وبسبب حالتها الصحية.

وبابتسامة تحد لكل مفردات المعاناة التي عاشتها هذه العجوز المغمور  قلبها بالأصالة تقول :" الحمد لله الذي جمعني بأبنائي وبناتي قبل أن أموت".

وبمرارة العلقم يحكي الحاج أبو محمد أبو كويك - الابن الذي تسكن عنده أم عبد الله حاليا - عن صعوبة الفراق الذي عاشه واخوانه بقوله :" كانت والدتي في الأردن ونحن في غزة ولم أراها منذ صغري وحتى أن أحد أخوتي ذهب للأردن ليبحث عنها لكنه لم يستطع فذهب للعراق للبحث عن عمل".

ويضيف بحرقة :" ولكنه لم يجد عملا حتى أصيب بأزمة نفسية أدت إلى وفاته اخيرا"،

ويسرح أبو محمد في ذاكرته ويصمت قليلا ويتابع قوله "إيه لقد عانينا كثيرا ولكن الحمد لله الذي جمعنا مع في بيت واحد بعد 60 عاما".

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية قد زار منزل الحاجة أم عبد الله، حيث هنأها وعائلتها بسلامة العودة إلى أرض الوطن من المملكة الأردنية الهاشمية.

وقال هنية خلال الزيارة :"جئنا اليوم باسم الحكومة والشعب الفلسطيني لنهنئ أنفسنا ونهنئ آل أبو كويك بسلامة عودة الحاجة أم عبد الله أبو كويك بعد هذه الأعوام الطويلة من البعد عن الوطن"، متمنياً أن تكون عودة أم عبد الله مقدمة لعودة أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان إلى وطنهم وديارهم التي طردوا وهجروا منها.

وقدم هنية في ختام الزيارة ثوب وشال فلسطينيين كهدية رمزية للحاجة أم عبد الله إضافة إلى تهنئة بسلامة العودة.

ويعجبك وأنت في بيتها المتواضع أن تطيل جلستك بجوارها مع رشفة من فنجان قهوة لتستمتع إلى قصصها الجميلة رغم صعوبتها.  

الحاجة أم عبد الله أمنيتها وحلمها الوحيد هو تحرير فلسطين والعودة إلى بلادها "اللد" ولو ليوم واحد فقط،  فصورة بيتها في اللد مازالت كما هي من دون أية إضافات لتبقى الرابط الروحي بينها وبين بيتها البسيط.

 

 

البث المباشر