غزة – أحمد الكومي
أول ما يقابلك من واجهة المنزل، نافذة صغيرة تقرأ في سطورها دلالات واضحة تعكس سعادة قاطنيه، تمر من بين أزهار حنت رؤوسها وكأنها ترحب بالقادمين، هي في مجملها لوحة فنية رسمت منظراً جميلاً يسر الناظرين.
نجوم وشموع مضيئة وألوان زاهية شكلت قسمات نافذة المنزل، وشجرة الصنوبر سيدة الموقف، فهي رمز لعيد أصحاب الديانة النصرانية.
حيث يحتفل المسيحيون مطلع كل عام بعيد رأس السنة الميلادية وهو احتفال عرف عند المسيحيين والوثنيين ويبدأ في منتصف الليل.
عيد السلام
وعلى عتبة الباب استقبلتنا الراهبة نيرمين بابتسامة عريضة مرحبة بقدومنا، ومن خلفها سرق أنظارنا جمال حديقة صغيرة توسطت منزلها، كانت كفيلة بمعرفة كل ما تجريه صاحبة المنزل من استعدادات لاستقبال عيد السلام. حسب وصفها.
جلسنا أمام الحديقة التي زخرفت شجرة الصنوبر ملامحها، علاوة على الشموع والمصابيح الكهربائية، جمال المنظر وروعته استدعانا الاستفسار من الراهبة عن سر شجرة المنزل "الصنوبر" خلال أعياد الميلاد، لتجيب بصدر رحب:" منذ آلاف السنوات ، كان الناس يعتقدون أن النباتات الدائمة الخضرة هي من الأشجار السحرية، وبالذات في فصل الشتاء، وتبقى قوية كونها دائمة الخضرة، واعتبارها رمزا للحياة وعلامة مؤكدة على أن الشمس ستشرق والربيع سيعود قريبا".
وتتابع قائلة: كان هناك راهب لكنيسة ومصلح للناس عاش في الفترة من 1483 إلى 1546، وكان هذا الراهب يحاول يوماً العودة إلى دياره في ليلة شتوية، فرأى وميض النجوم في السماء من خلال فروع تلك الشجرة ، فامتلكته الدهشة وهو يبصر ، وعندما وصل إلى المنزل ، حاول التحدث عن الذي رآه ، ولكن أسرته لم تتفهم ذلك ومحاولة منه لمساعدتهم على فهم ما حصل ، ذهب إلى الغابة وقلع شجرة صنوبر صغيرة، وعندما وصل إلى المنزل زينها بالشموع ، التي تمثل النجوم التي شاهدها ، فانتشرت هذه العادة".
وأوضحت الراهبة أن يوم العيد يكون فرصة للخروج والتنزه مع الزملاء والأصدقاء، مشيرة إلى أنه في الأيام التي تسبق ليلة الميلاد تسرع النساء للتسوق وشراء اللحم وخاصة" الديك الرومي" الذي يعتبر أهم الأطباق التي يجب أن تتوسط مائدة عشاء ليلة الميلاد إلى جانب الكرزات والفواكه .
رغم المكائد
وفي غمرة الحديث المتواصل والشيق مع الراهبة نيرمين، يقطع جو اللقاء منظر عجوز تستند إلى عكاز صغير، قادمة نحونا، فقفزت الراهبة مسرعة لتساعدها على الجلوس معنا ومشاركتنا أطراف الحديث.
بدأت العجوز جوليا في العقد السابع من عمرها، بالحديث عن الطقوس التي يقومون بها في يوم رأس السنة، قائلة:" نحضر أنفسنا من ساعات الصباح الأولى، ونذهب جميعاً إلى كنيسة بيرفيليوس في حي الزيتون شرق مدينة غزة، لنؤدي الصلاة على المسيح، ولتجديد ذكراه، طالبين بأن يعم السلام على العالم، وخاصة فلسطين، ونوزع بعدها الهدايا على الأطفال لإدخال السرور والفرحة على قلوبهم".
وأشارت العجوز إلى أن عظمة هذه المناسبة الدينية تتمثل في احتفالاتها التي يشارك فيها المسيحي والمسلم للتأكيد على وحدة الشعب ومدى الانسجام الحاصل بينهما رغم كل مكائد المغرضين ضد هذه الوحدة .
وتؤكد بأن علاقتها جيدة بجيرانها المسلمين بل أنهم يتبادلون التهاني والتبريكات في أعيادهم المختلفة ولا تشعر بأي فرق في المعاملة، لافتة إلى أنهم يعيشون تحت مظلة وطن واحد فلسطين ويعيشون ذات المعاناة في ظل الحصار والأوضاع الاقتصادية المتردية.
في قطاع غزة يعيش 3500 مسيحي من اصل مليون ونصف مليون شخص. وغالبية مسيحيي غزة من الأرثوذكس الشرقيين وتشكل طائفة اللاتين 15 بالمئة منهم. وتوجد في غزة ثلاث كنائس.