بدا أحمد مناصرة طويلاً مهيباً، وهو يخرج من البوابة إلى قاعة المحكمة، حينما تحول خلف القضبان من طفل إلى شاب قوي البنية، لكنه ضعيف الحيلة. كان هناك صوت أم في خلفية الصورة تنادي "أحمد! هيني يمه" في محاولة منها لتهدئة روع ابنها الذي يقترب من الجنون كلما زاد عدد أيام الاعتقال.
الأم التي ترى ابنها للمرة الأولى دون زجاج عازل، حضّرت نفسها لعناق طويل، لم تحصل عليه، فقد حال بينها وبين تحقيق حلمها جنود كثر، بينما صوت المحامي خالد زبارقة ينادي "أحمد، هي أمك".
مد أحمد جسده الطويل، فرأى أمه وهي تصعد على كرسي تفصله عنها عشرات الكاميرات، فأرسل لها إشارة من يده مع ابتسامة سرقها السجان وهو يضغط على كتفيه ويجبره على الجلوس.
انتهت المحكمة، وعاد الابن إلى الزنزانة فخارت قوى الأم التي كانت، كغيرها من الأمهات الفلسطينيات، تمارس دور البطولة وتواسي نفسها بجملة واحدة: "غدا يكبر الأمل، ويحقق الله الفرج لتشبع من عناق صغيرها الذي ذاق مرارة الاعتقال طفلاً، وتاهت زهرة أيامه خلف زنزانة انفرادية تنقل فيها بين سجون جنائية وأخرى أمنية حتى لم يعد العقل الصغير صغيراً".
ومع نهاية النهار، أصدرت محكمة بئر السبع قراراً بإبطال قرار "لجنة الثلث" الخاصة؛ التي قررت أن ملف مناصرة "إرهاب"، وأعادت الملف مرة أخرى للجنة لأنها لم تستمع لأقوال محامي الدفاع.
هذا الحكم يعطي فرصة للمدافعين عن أحمد للإدلاء بأقوالهم أمام اللجنة وقد مُنعوا سابقاً، حسب ما قاله المحامي خالد زبارقة.
لكن زبارقة لم يكتف بذلك، قائلاً "لم تعط اللجنة قراراً بالإفراج المبكر، وهذا غير كاف، وسنذهب كطاقم دفاع للجنة مرة أخرى لإقناعها بعدم جواز تطبيق أي قوانين للإرهاب على الطفل أحمد لأنه كان ابن ثلاثة عشر عاماً حين اعتقاله".
والدا أحمد كانا بطلي الجلسة التي انتظرها الجميع، وقد بدا عليهما الإرهاق بعد انتهاء المحكمة وصدور الحكم، كان أحمد متعباً، لكنه كان مليئا بالأمل على حد قول والديه: "لقد أحرجت الحملة التضامنية مع أحمد الاحتلال أمام العالم، وسنظل مستمرين في فتح كل الأبواب حتى إطلاق سراح ابني" هذا ما قاله والده، معبراً عن شكره للحملة التضامنية الكبرى، وشاركته أم أحمد التي يملأها القهر لأنها لم تر ابنها إلا لدقيقة عابرة.
"في الزيارة الأخيرة كان وضع ابني سيئاً، كثير البكاء، طوال الزيارة بكاء، ولم يكن لديه أي أمل في الحياة، كان يكرر: "أنا أريد أن أموت هنا".. كان يعيش مع أربعة حيطان في زنزانة انفرادية منذ خمسة أشهر، ويأخذ الكثير من العقاقير المهدئة، بالإضافة إلى معاملة السجان السيئة، واستخدام الأسلوب المحبط "أهلك لا يحبونك، أهلك لا يريدونك".. هكذا وصفت الأم حال ابنها في آخر زيارة.
وتضيف الأم: "منعوني من الكلام معه، وهددوه أمامي إذا كلمني، حينما رفع يده ليشير إليّ أنزلوا يده، وأنا أريد أن أعطيه أملاً وأرسل له كلمات لتواسيه، فوقف الجندي في وجهي لا يريدني أن أرى ابني أو أن يراني ابني، وقد بكيت كثيراً حينما انتهى المشهد، بكيت لأنني لم أحصل على مقابلة كنت أتمناها، وقد دفعوا ابني دفعاً وهم يعيدونه إلى البوابة فزاد قهري وألمي عليه".
أحمد الملهوف على حرية افتقدها منذ طفولته أعطاه لقاء الأمس، وحكم محكمة جائرة، شيئاً من الأمل، لأن الغد حتما سيأتي معه احتضان أمه، احتضان طويل، كما في الأحلام وأكثر.