هذه بيتا.. يجب أن يكون لها نصيب من الشهداء الآن. فالقدس تثور والضفة في ظهرها، فيرتقي كل يوم شهيد أو اثنان، ونتجرع نحن الموت في صمت كما كنا، ولا زلنا.
من بيتا، ومن بين حراس الجبل، أتى دور فواز حمايل، الذي يرابط كل جمعة على الجبل المطل على قرية بيتا رفضاً للاستيطان، وها هو اليوم يطل شهيداً علينا، ليستمر الرباط وليقض مضاجع الاحتلال.
الشهيد فواز حمايل أب لستة أبناء، طفلين و4 طفلات، أصيب بعيار ناري متفجر في صدره تسبب بتهتك في الكبد والكلية والرئتين والحجاب الحاجز، وأدى لنزيف شديد ما استدعى تزويده بعدد كبير من وحدات الدم، ولم تفلح كل الجهود التي بذلها الأطباء لإنقاذ حياته.
جلست والدته عند عتبة الباب تودع ابنها الذي اعتادت عليه محباً للوطن، مشاركاً في كل كبيرة وصغيرة.. في نهار الخميس بعد الصلاة، خرج مسرعاً تلبية للدعوات بالتصدي لاقتحام جنود الاحتلال للقرية.
تقول الأم التي أوصت كل النساء بعدم البكاء، ثم اتخذت زاوية على عتبة البيت تقاوم فيها عبرات الفقد: " بقي حنون، وقلبه طيب، لو زعل، يرجع بعد دقيقة يرضى، بحب الناس وما بحب المشاكل، شاف الجيش وطلع زي الشباب".
ولم يكتف الاحتلال بالقتل، بل هاجم الجنائز وهي تزف شهداءها، وكذا هاجم جنازة فواز حمايل، وأطلق قنابل الغاز لتفريق المشيعين، فلم تأخذ العائلة حقها من الحزن على ابنها كما ينبغي!
الشهيد فواز حمايل، موظف محافظة القدس، لطالما رأيناه يتكلم عن حبه للمدينة، ولقريته بيتا، ولشجرة الزيتون، ويرى أن من واجب كل فلسطيني أن يزرع في بيته زيتونة لتبقى أيقونة عائلته للأبد.
يقول أحد أصدقائه: "كان دائم الاستعداد للتضحية بالنفس دفاعاً عن وطنه المقدس. فمهما فعلنا، ومهما قدمنا من خدمات، وبذلنا من جهد، وصرفنا من وقت من أجل وطننا إلا أننا نشعر بالتقصير أمام عظمة هذه الروح".
قريبه هارون وصفه بالشهم والشجاع، والمقبل دائماً والمشارك في كل مناسبة وطنية، ودائم الرباط على جبل صبيح مضيفاً: "بشراك حين نلقاك يا وزير الشباب أيها الشهيد.. نعم لقد كنت داعماً ومؤيداً لكل شباب بيتا.. فبشائر الجنة كانت واضحة على وجهك المنير".
ويضيف أحد رفاقه: "كيف لا وقد كنت من رواد المساجد، واختارك الله مصلياً للفجر، صائماً، مقبلاً غير مدبر، وكنت الأقرب على جموع الظالمين، ترميهم بمقلاعك العنيد.. حدثني من نقله من مكان إصابته أنه نطق الشهادة ثم صمت.. (من كان آخر كلامه لا إله الا الله دخل الجنة)".
عبير الخطيب، زميلة الشهيد حمايل، وصفته بالضاحك المازح الباعث للأمل، مضيفة: "عملت بجانبه في برنامج كفالات جامعية لطلاب بيتا، وبرنامج جرحى بيتا، لكن أعرفه أكثر في جبل صبيح، اتصل بي يوماً قائلاً: "عبير هي الملف راجعته ومية بالمية بدناش نظلم حدا يا أم خالد، ومتفقين نوزع مساعدات بشهر رمضان، لعائلات الجرحى والشهداء، اليوم، وفي هذه اللحظة، أصبح فواز شهيداً".
واستشهد 46 فلسطينياً من الضفة الغربية والداخل، منهم 10 من جنين وحدها، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الاشتباكات والمواجهات المتصاعدة، أو عمليات الإعدام والاغتيال منذ بداية العام الجاري 2022، وارتقى 22 شهيداً منذ بداية رمضان حتى اللحظة.