لا تزال سيرة الأبطال في الملاحم الشعبية القديمة حاضرة رغم تعاقب الأجيال، ورغم تكرارها إلا أن كل من يصغي إليها يتفاعل معها كأنه يسمعها للمرة الأولى من الحكواتي الذي يشوق الجمهور ويثير حماسهم بالتفاصيل كما يفعل حمزة ديرية ابن قرية عقربة قضاء نابلس.
في مدن وقرى الضفة المحتلة، ذاع صيت الحكواتي الشاب ديرية أو كما يحب مناداته بـ "العقرباوي" نسبة إلى قريته التي بدأ منها نبش التراث والتاريخ لحفظه ونقله إلى الجماهير.
كسر الحدود وانطلق خارج البلاد يحكي قصص الثوار وتاريخ شعب يقاوم الاحتلال، لكنه بقي مقيدا لا يستطيع الذهاب إلى مدينتي القدس وغزة اللتين تحملان في ذاكرته من تراثهما الكثير والكثير.
عبر صفحته على فيسبوك، يدعو الحكواتي جمهوره للحضور مخاطباً إياهم "عليكم الجيرة" هناك أمسية رمضانية مميزة رح نسمع فيها حكايا رمضانية من التراث الفلسطيني".
خلال تجهيزه لحكايته الرمضانية التي سيرويها لأهل جنين قرب حاجز الجلمة، استرقت "الرسالة نت" القليل من وقته ليحكي عن عمله في رمضان فيقول: "الحكواتي شيخ الأمسيات الرمضانية، وحضوره اليوم هو لاستعادة دوره السابق (..) لطالما كان في ليالي رمضان له صدر المجالس بما يسرده من قصص وملاحم شعبية لأبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن وحمزة البهلوان، وغيرها من الأساطير".
ويضيف: "اليوم نبذل جهداً لاستعادة دور الحكواتي في تأدية رسالته الثقافية والاجتماعية والفنية في شهر رمضان، وأستعرض أشهر القصص التراثية، وهذه الأيام أروي حكايات شعبية تحمل نكهة البلد وهويتها وتراثها وطبيعة التحديات التي تمر فيها".
وأبرز المواضيع التي يستعرضها الحكواتي ديرية في أمسياته الرمضانية هي القدس والمسجد الأقصى وجنين وغزة والشهداء والمقاومة وكل التضحيات تعرض بشكل صريح وواضح أو من خلال بعض الكلمات والدلالات التي تكون في ثنايا الحكايات"، كما يقول الحكواتي.
ويحكي أن الأمسيات التي يحييها من جنين أقصى شمال الضفة إلى الخليل أقصى جنوبها، محملة بروح البلد والصراع الذي دار فيها، معلقا: ولأن الحكواتي جزء من الحالة الثقافية التي تحمل الذاكرة والهوية النضالية.
وذكر ديرية أن جل الحكايات التي قصها على جمهوره في رام الله والخليل وجنين كانت تحكي عن طبيعة المرحلة والتحديات التي تمر بها البلاد وما تعيشه من حالة اشتباك مع الاحتلال والعدوان الصارخ على الأقصى وشراسة المحتل.
وأوضح أن بعض الأمسيات فيها زجل شعبي يمتدح الشهداء ويحيي المقاومة ويستعرض من خلاله بسالة الشعب الفلسطيني وعراقته وتمجيد تضحياته، عدا عن البشارة بالغد المشرق ويوم الخلاص وتحرير الأرض.
ويستعرض الحكواتي الوقائع والأحداث الحالية في قصصه وكأنها من الماضي تروى لجيل التحرير، موضحاً أنه يقص على الجيل الصغير حال البلاد حين كانت محتلة وكيف تم التخلص من الاحتلال الاسرائيلي وذلك لإثارة حماسهم.
ويؤكد ديرية بأنه كحكواتي وأحد الناشطين في مجال التراث والذاكرة والهوية الفلسطينية يحرص في عروضه الرمضانية على تقديم حكايات لها علاقة بالقضة والتحديات التي تخوضها، كما يحمل في قصصه الوطنية الأمل المشرق وثنايا الخير التي تنتصر على قوى الشر.
ويخبر بأن الحكواتي شيخ الأمسيات الرمضانية ودوما له صدر المجالس، واصفا التفاعل معه بالجميل فيتدافع الجمهور للحضور. ورغم الكبت والحالة السياسية الصعبة والاحتلال والغلاء والقهر، الا أنهم يجدون في الأمسيات القصصية متنفس للهروب من ضغط الحياة، كما ويعتبرونه وسيلة ترفيه لأطفالهم وعوائلهم كونه فن يحمل قضيتهم.
ويؤكد أن تلك الفعاليات تحيي الذاكرة الفلسطينية بما يروى للأجيال الصغيرة، عدا عن أن فيها بعد تربوي وتعليمي يحمل رسالة التراث وقصص الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد، مبينا أن دور الحكواتي يكمن في نقل هذا التراث والتأسيس لذاكرة قوية صلبة يصعب على المحتل هزيمتها.