لم يكد ينهي الطفل أثال العزة، عزف مقطوعته الموسيقية الأخيرة التي تعلمها وهو يتجول قرب منزل جدته في بيت لحم، حتى انقضت عليه مجموعة من جنود الاحتلال وألقوا القبض عليه، فصوت موسيقاه كان أقوى من صوت بنادقهم، وكلمات أغانيه الوطنية كانت أعلى من كلمتهم.
الطفل العزة الذي لم يكمل عامه الرابع عشر، اقتاده المحتلون إلى مركز الشرطة للتحقيق معه على تهمة إلقاء الحجارة رغم عدم وجود دليل لديهم. والده وصف المشهد بـ"البشع"، فهم يريدون ترهيب طفل صغير والضغط عليه وتعذيبه جسديا ونفسيا لإجباره على الاعتراف بما لم يفعل، كما يقول والده.
الصغير الذي يحمل اسمه معاني الشرف والمجد، ضاع جسده في بدلة "الشاباص" البنية" التي يرتديها لصغر حجمه وسنه، ومع ذلك بقي صامداً رغم محاولات ترهيبه.
ولعل ما أزعج جنود الاحتلال ولع الطفل البريء بالموسيقى والأغاني الوطنية كما يظهر عبر فيديو متداول له على صفحات السوشيال ميديا، وكذلك إتقانه للدبكة الفلسطينية التي أوجعت المحتل وجعلته يلاحق طفلاً لا يعرف عن الحياة سوى العزف على ألحان الوطن.
جنّد الاحتلال ممثلة إسرائيلية لمساعدته في إخفاء الحقيقة وخرجت بكل عنصرية تخاطب عارضة الأزياء الفلسطينية "بيلا حديد" التي شاركت قصة "أثال" وتقول لها بلغة انجليزية "عليكِ مراجعة معلوماتك بيلا قبل نشرها".
كما هاجمت الممثلة المجندة، الطفل "أثال" بعنف وادعت بأن كل ما قيل عن اختطافه والاعتداء عليه لم يكن صحيحاً وسيطلق سراحه، ووضعت مشاهد لطفل يرمي الحجارة ويحرق إطارات السيارات وادعت أنها "لأثال" وهذا عار عن الصحة، كما يقول والده.
ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها (إسرائيل) مع الصغار المعتقلين بقسوة محاولة تشويه صورتهم عبر مشاهير وشيطنتهم بصور مفبركة وكاذبة، بل تعتبرهم بحاجة إلى ردع، لكن كل مرة يفاجئها الجيل الصغير بصموده ومحاربته عنصريتها بكل الأساليب الممكنة.
الضغط النفسي والترويع
في الجمعة الثانية من شهر رمضان، كان "أثال" على موعد مع الاعتقال خلال ذهابه إلى بيت جدته في مخيم العزة في بيت لحم ليقول لها "إفطارك اليوم علينا"، قبل أن يعترضه جنود الاحتلال، ليقطعوا طريق أحلامه البسيطة حينها، ثم تسحله على الشارع لأكثر من نصف كيلومتر، وتنهال عليه بالضرب والسبب أن تواجده صادف مرورهم في الشارع، فاستفزتهم طفولته الفلسطينية، فقرروا اعتقاله.
لبعض الوقت بقيت عائلته تجهل مصيره، حتى هاتفها ضابط في الارتباط العسكري ليخبرهم بنبأ اعتقاله، بعدها بساعات، يهاتف محقق إسرائيلي من عطروت والد أثال، ليخبره أن ابنه أصبح رهن الاعتقال، مع السماح لوالده بمكالمة لم تتجاوز الدقيقتين.
تم التحقيق معه دون وجود أي فرد من أفراد عائلته ودون محام إلا في جلسات المحكمة، وعُرض مجددا على محكمة عوفر العسكرية الأحد الماضي وكان والده المحامي لديه الأمل بالإفراج عن ابنه لعدم وجود أدلة تدينه.
رفضت محكمة الاحتلال الإفراج عن الطفل، ولازالت مخابرات الاحتلال تمارس كل أساليب الضغط النفسي والترويع لجعله يعترف بأشياء لم يفعلها، كما ذكر والده.
ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله، تستخدم (إسرائيل) ماكينتها الإعلامية ضده بشكل ممنهج، لتبرير احتجازه، بينما وقف الصغير مكبلاً بالأصفاد يواجه إعلام الكيان الظالم.
وخلال محاكمته الأخيرة، أرسل مع والده رسالة إلى الصحافية مجدولين حسونة التي شاهدته خلال التحقيق معه وقت احتجازها وزوجها ونشرت ما رأته وقالت: "وجدناه على وشك البكاء، وكان متعباً جداً ويتعرض للتعذيب، وقد شاهدنا آثار كدمات على وجهه وتبدو على عينيه قلة النوم".
أثال قال في رسالته إنه قوي ولم يكن يبكي حين رأته في مركز تحقيق عطروت، ولكنه شعر بضغط في التحقيق وقتها ودمعت عيناه".