بعد مرور عام كامل على معركة سيف القدس، يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية نجحت بشكل غير مسبوق في تدشين خط غزة-القدس، وتوحيد الساحات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة والقدس والداخل المحتل وحتى الساحات الخارجية على قلب رجل واحد.
لم تسمح المقاومة للاحتلال (الإسرائيلي) باللعب على عامل الجغرافيا وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض، بعد أن حاول على مدار السنوات الماضية جاهداً لعزل غزة والضفة والقدس والداخل المحتل عن بعضها.
صواريخ المقاومة التي انطلقت في مثل هذه الأيام قبل عام واحد، شكلت الفارق في الصراع مع الكيان المحتل، عندما ثأرت لصرخات المقدسيين وأهالي حي الشيخ جراح والضفة الذين نادوا بأعلى الصوت "يا غزة يلا، مشان الله" فكانت الاستجابة سريعة، وهو ما اعتادت عليه المقاومة في نصرة شعبها وعدم خذلانه في أي محطة من المحطات.
وسرعان ما أثمرت هذه المعادلة الجديدة فآتت أُكلها، وكان الإرباك والخوف (الإسرائيلي) واضح بشكل لافت وكبير منذ بداية شهر رمضان وحتى آخره، بعد أن استنفر كل قواته العسكرية ليلجم مستوطنيه ويمنعهم من ذبح القربان أو استفزاز الفلسطينيين ورفع الحماية عما تسمى بمسيرة الأعلام ومنعها من المرور أمام باب العامود، وهي مجمل الأحداث التي سببت اشتعال معركة سيف القدس العام الماضي.
وتحدثت وسائل إعلام (إسرائيلية) عن "الربط بين القدس وغزة"، بعد سنة من عملية سيف القدس، دون إطلاق "صاروخ واحد"، ويمكن الاستدلال على ما سبق بما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، التي اعتبرت أن أهم إنجاز حققته حركة حماس في معركة سيف القدس هو الربط بين الجبهات أو الساحات المختلفة، وهو هدف استراتيجي سعت له الحركة على مدار سنوات، قبل أن تأتي معركة مايو 2021 ليتحقق بدرجة لم يكن يتصورها (الإسرائيليون).
وأضافت الصحيفة العبرية أنه "بينما كانت الحركة تقود جولة تصعيد كبيرة في غزة، استطاعت أيضًا التأثير على الضفة المحتلة، التي خرجت فيها مظاهرات ووقعت فيها مواجهات عنيفة، وانضمت القدس أيضاً لهذه الحالة، والأخطر بالنسبة للاحتلال كان انضمام فلسطينيي 48، وأخيرا إطلاق الصواريخ من لبنان باتجاه المستوطنات الشمالية.
ووفق الصحيفة، فإن الواقع يلعب لصالح حركة حماس، فبينما تحاول المؤسسة الأمنية للاحتلال خلق تمييز مصطنع بين أنشطة حماس في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إلا أن الوقائع تثبت أن هذه الساحات تتحرك من خلال توجهات الحركة التي لا يستطيع الاحتلال الرد عليها في غزة بسبب نشاطها في أماكن أخرى.
واعتبر محلل الشؤون العسكرية في "قناة كان" (الإسرائيلية)، روعي شارون، أنّ "ما حدث في الأيام الأخيرة هو استخلاص (إسرائيل) للعبر من عملية حارس الأسوار (سيف القدس)، ومن الإخفاقات التي قادت لهذه العملية، لأن الربط بين القدس وغزة -ويجب الاعتراف بذلك- قد تأسس قبل سنة خلال عملية حارس الأسوار".
وأضاف أنه " المواجهات لا تتدهور حالياً، ولكن الأمر ممكن أن يتغير بدقيقة ونصف مع حادثة يمكن أن تندلع في الحرم القدسي".
في نهاية المطاف ومع حلول يوم القدس العالمي يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية حققت إنجازاً كبيراً ونجحت في لجم الاحتلال الإسرائيلي ووحدت الساحات كافة، والواقع أكبر برهان.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي خالد النجار أن الموقف الحالي يشير إلى أن الاحتلال ينأى بنفسه عن الاشتباك مع المقاومة في قطاع غزة، لأن الاحتمالات التي وضعها قادة العدو على طاولة "الكابينت" تُظهر تصورًا جديدًا لواقع المعركة التي ستكون مختلفة تمامًا عن معركة سيف القدس، وقد تتعرض دولة الاحتلال خلالها لضغط عسكري كبير في خضم مواجهة غير تقليدية للدفاع عن القدس، والتصدي للمخططات الصهيونية في الضفة والمسجد الأقصى.
ويلفت النجار في مقال له إلى أن هناك تحديات أخرى تلوح في الأفق تشي بأن الاحتلال لن يكون قادرًا على إدارة مواجهة استعدت لها المقاومة خلال سنوات طويلة ووظفت إمكاناتها بموازين دقيقة ووفق المعطيات التي تحقق مكاسب عملياتية لديها وتتفوق بها على أسلحة الردع الصهيونية.