قائد الطوفان قائد الطوفان

إذلال الاحتلال على بوابات الأقصى والأمن مهدد بالفناء

الأقصى
الأقصى

رشا فرحات- الرسالة نت

تدريجيا قُلبت المعادلة، بين توقعات الجميع بمواجهة جديدة تضاف إلى سلسلة تطول يوماً بعد يوم بين غزة والاحتلال دون الوصول إلى نتيجة، بل إن هناك تهتكاً في المنظومة الإسرائيلية تعاني منها بعد كل حرب، أجبرها على أن تنسحب تدريجيا من تلك المحاولات التي تسعى من خلالها لانتزاع وقت لصالح المتطرفين في اقتحامات للأقصى.

بدأت الأحداث تتصاعد في يوم الجمعة، فجراً في يوم 14 رمضان، الموافق 15 أبريل/نيسان 2022، حينما باغتت قوات (إسرائيلية) المصلين في المبنى القبلي من المسجد الأقصى برصاصات تتبعها القنابل الغازية والصوتية.

 هجوم مباغت على المصلين مع ساعات الصباح الأولى، ومحاولات مستميتة لإخلاء الأقصى من أصحابه، هي ذات المحاولات التي نجحت قبل سنوات في تقسيم الحرم الإبراهيمي، فاعتقد الاحتلال أنها يمكن أن تنجح في الأقصى بذات الطريقة.

بين ما استطاع الاحتلال فعله، وما لم يستطع، ثبات للمصلين والمرابطين في أقصاهم كان في نواياه أن يقدر على طردهم حتى ما قبل صلاة الظهر، ليعطي المتطرفين فرصة اقتحامه، وهكذا محاولة بعد الأخرى باءت بالفشل، في مقاومة عمادها مرابطون افترشوا سجاد صلواتهم، التي كانت السلاح الأول لمنع أي هجوم مباغت، صمدوا في مواجهته بصلاة الضحى التي امتدت إلى ثلاث ساعات متتالية.

ولأن المقدسي يعلم أن استسلامه يعني أن يصبح التقسيم الزماني واقعا مفروضا على المقدسيين، لذلك أمسك بيديه مفاتيح المعركة ورفع الراية الفلسطينية عالية فوق القبة الذهبية، وظلت طوال شهر رمضان، لم يجرؤ جندي واحد على تنكيسها، وبدأ المرابطون بنسج القصة من السطر الأول.

استمر هجوم اليوم الأول لأربع ساعات انتهت باعتقال وإصابة أكثر من 500 مصل، في مشهد يعيد للأذهان التوتر الذي شهده المسجد خلال شهر رمضان السابق، والذي تدحرج إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة، بدأت في 28 رمضان 1442، الموافق العاشر من مايو/أيار 2021، واستمرت 10 أيام.

الاحتلال يذكر أنها كانت حربا حقيقية أعاد حساباته بعدها، بل وعانى من تزعزع منظومته الأمنية، وكل ما يلعب فيه اليوم هو وقت ضائع لتجميل صورة حكومته برئاسة نفتالي بينت التي تنهار حجارتها حجرا تلو الأخرى منذ أن بدأت !

وجاءت ذكرى عيد الفصح، حيث أعلنت جماعات الهيكل المزعوم أنها تنوي ذبح ما تسميه قربان عيد الفصح العبري (البيسح) داخل المسجد الأقصى، ثم نثر دماء القربان داخله، وتحديدا عند قبة السلسلة شرقي قبة الصخرة المشرفة التي يعتقد المستوطنون أنها مكان الهيكل المزعوم.

ولكن، ومن جهة أخرى نفت حكومة الاحتلال أي نية لذبح القرابين! رغم أن كل الاستعدادات توحي بأن ذبح القرابين قد كان مقررا، ثمانية أيام متتابعة والمستوطنون يحاولون إتمام ذلك، ولكن كل ذلك توقف، فما الذي حدث؟ ولم أصرت شرطة الاحتلال على منع المستوطنين من إتمام عملية الذبح بالقوة ؟!

تخوف محللون من تصرف شرطة الاحتلال، ومن التصريحات المتضاربة بين الحكومة وبين رجال الدين فيها، خصوصاً في ظل النفوذ الكبير لجماعات الهيكل في صفوف شرطة الاحتلال و(الكنيست)، وفي ظل تنفيذ جماعات الهيكل محاكاة كاملة لذبح القرابين قرب أسوار المسجد الأقصى الغربية والجنوبية.

وبين كل هذا وذاك دعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" جماهير الشعب الفلسطيني إلى النفير في "فجر حماة الأقصى لإفشال مخطط "ذبح القرابين" وشاركتها الفصائل تحذيراتها من مخطط ما يسمى "جماعات الهيكل".

تجلى خوف الاحتلال وبدأ يعتقل متطرفيه قبل جمعة الذبح، وأعلنت الشرطة أنها اعتقلت 4 مستوطنين خططوا لذبح قرابين في المسجد الأقصى.

ولا يغيب عن هذا المشهد ما أحدثته العمليات النوعية التي نفذها فلسطينيون على مدار شهرين متتابعين أدت إلى مقتل ثمانية عشر إسرائيليا في هجمات متفرقة بين إطلاق نار وطعن زعزعت أمنه الداخلي واضطر إلى فرض السيطرة والهدوء على واقع الأقصى خاصة في العشر الأواخر من رمضان التي سمح فيها الاحتلال للفلسطينيين بالدخول إلى الأقصى بعدد غير مسبوق. 

ولكن المشهد الذي أثار جنون الاحتلال أكثر، هو عودة الهتافات باسم محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام- وهو المشهد الذي أعادنا إلى حرب غزة الرابعة في مايو من العام الفائت (2021).

كما عاد الحديث عن انتظار الساعة التاسعة، في إشارة إلى بيانات أبو عبيدة، وتكررت الهتافات التي تطالب بالرد من قطاع غزة على استهداف المستوطنين للمسجد الأقصى.

وهكذا منعت القرابين رسميا، وبدأت جماعة "عائدون إلى جبل الهيكل" باستقطاب الخائفين من اليهود لتنفيذ خطط الذبح، وإغرائهم بالمال، حتى أن رفائيل موريس رئيس جماعة جبل الهيكل قال: ""لا تخافوا، حتى لو اعتقلتكم الشرطة سنعمل على إعادتكم فورا لبيوتكم وستحصلون على مكافأة مالية"، وقد نشروا إعلانا عن مكافأة لمن يذبح قرابين في الأقصى.

لم تقرر (إسرائيل) التهدئة فحسب، بل سعت إليها سعيا، وكان للتهديدات الفلسطينية بالغ الأثر حيث قدَر، للجزيرة نت، مصدر موثوق وقريب من فصائل المقاومة المنضوية في "غرفة العمليات المشتركة" في غزة أن قيادات بارزة من الصف القيادي الأول في حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، في غزة والخارج، تلقت وأجرت نحو 150 مكالمة هاتفية مع وسطاء خلال الـ 48 ساعة الماضية، كلها تريد أن توصل رسالة إسرائيلية تسعى فقط إلى التهدئة.

وقد تبنت (إسرائيل) خلال الفترة السابقة الدعوة إلى التهدئة بشكل متزايد وعلني وأهمية الحفاظ عليها خلال شهر رمضان، وضرورة إسهام كافة الأطراف في جهود تجنب التصعيد.

ولكن هذه الجهات التي تقدم دعوات السلام، هي ذاتها التي ساهمت في زيادة التصعيد ليس فقط في القدس والمسجد الأقصى أو حي الشيخ جراح، ولكن في العديد من المناطق في الضفة الغربية وخاصة في مخيم جنين.

الآن، وبينما غزة تهدد والأقصى ينتظر، نراقب مشهدا مضحكاً لملاسنات كلامية بدأت تظهر للمرة الأولى إعلاميا بين مستوطنين ومتطرفين وشرطة وحكومة الاحتلال، من أول تلك الاتهامات التي قذفها "إسرائيليون " في وجه بينيت وهو على المنصة لا يحمل ردا مقنعا، وحتى قصة الشجار التي حدثت بين حاخام يهودي مع أحد المستوطنين المتطرفين، مساء الخميس الماضي.

ففي مكان عملية إلعاد، العملية البطولية الأخيرة التي أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وجرح آخرين، وقف متطرف ومستوطن يتبادلان الاتهامات وحمّل الحاخام اليهودي، المستوطن المتطرف جوفشتاين، مسؤولية عملية قتل اليهود بسبب إصرارهم على اقتحام الأقصى في رمضان، وذبح القرابين، ففوق كل ما حدث طوال شهر كامل، فإن كل ما فعله المتطرفون من تمثيلية الخراف المحترقة، هو نسج خيال تلمودي كاذب.

البث المباشر