أقدم الاتحاد الأوروبي قبل أيام وبتحريض من كيان الاحتلال على اتخاذ قرار بتقليص تمويله لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بنسبة تصل إلى "40%" بعد فشل ضغوطاته التي على السلطة الفلسطينية والتي تتواصل منذ سنة 2017 بهدف دفعها إلى تغيير المناهج الدراسية الفلسطينية لتتناسب مع أهواء ورغبات حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.
القرار الأوروبي بتقليص التمويل المخصص للأونروا هو حلقة جديدة ضمن حلقات التضييق على اللاجئين الفلسطينيين، ودفعهم إلى القبول بالتوطين في أماكن تواجدهم، والتنازل عن حق العودة، تحت غطاء العجز في تمويل الموازنة السنوية للأونروا، والذي أحدث إرباكًا في برامجها ، وأدى إلى تقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين، وبات يشكل "تهديدًا وجوديًّا" لعمل الأونروا باعتراف مديرها "فيليب لازاريني"، في تساوق واضح مع مخططات الاحتلال الصهيوني، والذي لطالما أطلق الأكاذيب وحملات التحريض على الدور الإنساني لوكالة الغوث، وطالب مرارًا بإنهاء خدماتها، وتصفية كينونتها القانونية، وفصل موظفيها، في محاولة صهيونية لإنهاء حق العودة، وتصفية القضية الفلسطينية.
مؤامرات عدة قام بها الاحتلال الصهيوني وحلفاؤه للالتفاف على حق العودة، من بينها المقترح الذي قدمه مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "فيليب لازاريني" قبل أسابيع، والذي يهدف إلى تفويض مهمات وكالة الغوث إلى مؤسسات أممية أخرى، وإشراكها في تقديم الخدمات للاجئ الفلسطيني، وهو يُعد تهرّبًا فعليًّا من تحمّل الأونروا لمسؤوليتها القانونية والانسانية، والتفافًا صارخًا ومرفوضًا على قرارات الأمم المتحدة، وهو خطوة متقدمة على صعيد محاولات الإنهاء التدريجي لدور وكالة الغوث، وتجاهل معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وصولًا إلى تصفية القضية الفلسطينية.
إن محاولات إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تأسست عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم "302" بعد سنة واحدة فقط من تهجير الشعب الفلسطيني، وإلغاء الحماية والرعاية الأممية لحوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني يفترض أن توفر لهم الأونروا خدماتها الصحية والاجتماعية والتعليمية في مخيمات اللجوء في سوريا والأردن ولبنان إضافة الى مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، إنما يعني طمس الشاهد الأممي القانوني على استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين التي أوجدها الاحتلال الصهيوني قبل أربعة وسبعين سنة.
قانونيًّا فإن محاولات إنهاء حق العودة، وتصفية القضية الفلسطينية، يتناقض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) لسنة 1948، الذي أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في التعويض والعودة إلى الديار، وأكدت عليه مرارًا المنظمات الدولية وفي مقدمتها "منظمة العفو الدولية" باعتبار أن عدم احترام دولة الاحتلال لحق العودة الفلسطيني يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وهي جريمة تستوجب الملاحقة القانونية، ومخالَفة صريحة للقوانين والقرارات الدولية، وتجاوُز صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني.
واليوم ورغم مرور أربع وسبعين سنة على النكبة الفلسطينية، لا يزال اللاجئون يحافظون على هويتهم الفلسطينية، ويدافعون عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، ويتمسكون بحق العودة إلى أرضهم ومقدساتهم، ويقفون بصلابة منقطعة النظير في مواجهة الاحتلال الصهيوني، بما يؤكد فشل جميع مخططات إنهاء القضية الفلسطينية، وتجاوز حقوق اللاجئين الفلسطينيين، رغم مرور أكثر من سبعة عقود على تلك المعاناة المتواصلة.
إن استمرار معاناة اللاجئين، ووقوع غالبيتهم تحت خط الفقر، وتفاقم هشاشة أوضاعهم المعيشية، يستوجب من المجتمع الدولي مضاعفة دعم وكالة الأونروا، لا تقليص تمويلها، وإنهاء خدماتها، وإن النفاق الأوروبي والأمريكي في التعامل مع القضايا الإنسانية، والذي برز إثر الأزمة الروسية الأوكرانية، لا يلغي مطالبة شعبنا الفلسطيني بضرورة قيام كافة المؤسسات الأممية بواجباتها القانونية، ودورها الإنساني في الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، والتخفيف من معاناتهم إلى أن يتم التوصل لحل عادل ودائم لمحنتهم، وذلك بعودتهم إلى ديار الآباء والأجداد، أما اللاجئون الفلسطينيون والذي نجحوا مرارًا في إفشال مخططات تصفية القضية، فهم قادرون بأنفسهم على مقاومة الاحتلال الذي بات يخشى على مستقبل كيانه الهش رغم مرور أربعة وسبعين عامًا على إقامته فوق الأرض الفلسطينية السليبة.