لا تكاد تعرف محافظة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، الهدوء، فالنهار والليل يشتركان في سماع زخات الرصاص التي تغطي المدينة من شرقها لغربها، وسط غياب تام لأمن السلطة عن ملاحقة المنفلتين.
وعلى أقل الأسباب تندلع الاشتباكات المسلحة بين العوائل الكبرى في المحافظة، لتقع فيها خسائر بشرية ومادية فادحة، لا تقف حدودها عند أطراف النزاع، بل تمتد للمدنيين الآمنين في منازلهم ومصادر رزقهم.
وفي آخر إحصائية في الخليل خلال شهر واحد، بلغ عدد ضحايا الفلتان تسعة، بينهم طفل بعمر "عامين"، وسط فشل وساطات الإصلاح لإنهاء الخلافات القائمة بين العوائل.
وتأتي حالة الفلتان الأمني المتصاعد في الخليل بالتزامن مع تغول المستوطنين في السيطرة على المزيد من مناطق الخليل، فيما الجبهة مشتعلة مع الاحتلال في مدن الضفة والقدس، وسط دعوات للخليل لدعم الحراك المقاوم الحالي، بدلاً من الاستمرار في المشاكل العائلية.
وفي التعقيب على ذلك، قال الشيخ عبد الوهاب نظمي أبو غيث، رجل الإصلاح في مدينة الخليل، إن أهم أسباب حالة الانفلات الأمني وازدياد المشاكل العائلية في الضفة عموماً، وفي الخليل على وجه الخصوص، يتمثل في ضعف السلطة.
وأضاف أبو غيث في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن أجهزة السلطة وقيادتها غير حازمة في ملاحقة المنفلتين، ما زاد حالات القتل على خلفيات الثأر العائلي القديم، والقتل العشوائي، والإضرار بحياة المواطنين وممتلكاتهم دون وجه حق.
وأوضح أن التركيز على الضفة في المشاكل العائلية وحالة الفلتان يعود إلى أنها الصخرة التي تتحطم عليها كل مؤامرات الاحتلال والسلطة، وبالتالي فإنها في بؤرة الاستهداف من كلا الطرفين طيلة السنوات الماضية.
وأشار إلى أنه في حال تمكنوا من تحطيم صخرة الخليل، فبإمكانهم بعد ذلك تمرير كل مخططاتهم على أرض الضفة، نظرًا إلى ما تمثله الخليل من ثقل ووزن في الوضع الفلسطيني ككل طيلة العقود.
من جهتها، قالت الناشطة سمر حمد المرشحة في قائمة "القدس موعدنا" إن الخليل تعتبر من أكثر المدن الفلسطينية تعداداً للسكان، ولها تاريخ طويل في النضال الفلسطيني، فقد كان دورها محورياً في الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وقدمت رموزاً كان لها أثر عظيم على مستوى المواجهة مع الاحتلال في الميادين المختلفة، إلى جانب موقعها الاستراتيجي في الخارطة الجغرافية لفلسطين.
وأضافت في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن ما سبق أهّلها لتكون هدفاً مستمراً للاحتلال، فسعى الاحتلال إلى محاولة تفريغها من كل مظاهر المقاومة، وبث الفتن والنزعات العائلية فيها، علاوة على الاعتقالات المتكررة لرموزها الفاعلين.
وأوضحت أن الهجمة في الآونة الأخيرة أصبحت أشد ضراوة، فالاقتتالات العائلية تزايدت وتدحرجت حتى وصلت في بعض الأحيان إلى حالة من انعدام الأمن، والآن نلاحظ أن هذه الحالة أثرت مباشرة على الأداء الوطني، فالضفة في حالة انتفاضة وحتى القدس والداخل، وللأسف تجد الخليل منشغلة بالخلافات الداخلية التي أنهكتها.
وأشارت إلى أنه لا يمكن إغفال دور سلطة التنسيق الأمني في إيصال الخليل إلى هذه الحالة، بالإضافة إلى أداء السلطة ودورها السلبي كل ذلك كان السبب الأساسي لوصول الخليل إلى هذه الحالة.
وأوضحت أن السلطة لا تقوم بدورها في اعتقال المجرمين ولا محاسبتهم، بل إنها تغض الطرف عن سلاح الفوضى والزعرنة والذي أغلبه لعناصر تنظيم فتح وموالي عناصر الأجهزة الأمنية، وفي المقابل تلاحق الشرفاء وسلاحهم، وتمنع الشخصيات المؤثرة من أداء دورها.
وأكدت أن مع كل هذه التحديات والمؤامرات، فإن الخليل ستبقى المارد النائم الذي سيصحو يوماً ويقلب كل المعادلات، ويُعوّل في ذلك على أبناء الحركة الإسلامية والعلماء والشرفاء بأن يقوموا بدورهم في استعادة الدور الوطني واللحمة والوحدة لتعم ربى الخليل.