في مساء إحدى الليالي دخل خالد – اسم مستعار- على زوجته غاضباً ورمى عليها يمين الطلاق فجأة وبكل بساطة، وطلب منها أن تعود إلى بيت والدها وسط ذهولها واستفسارها عن السبب في طلاقها دون أي ذنب أو مبرر.
في اليوم التالي، اكتشفت أن طليقها ووالدها كانا في جلسة سمر خارج المنزل لكن ظهر خلاف تلاه نقاش حاد انتهى بشجارهما، فما كان منه إلا أن عاد إلى البيت وطلقها.
هذه الحالة معروفة في القانون الفلسطيني باسم "الطلاق التعسفي"، الذي يشترط فيه أن يقدم الزوج على طلاق زوجته دون مسوغ قانوني، ودون سبب مقنع ودون أن يكون للزوجة إرادة فيه، ويسبب ضرراً حقيقياً لها ولأبنائها -إن وجدوا.
وفي قصة أخرى، وقبل العيد بأيام، طلق أحدهم زوجته فجأة أيضاً ولسبب تافه، لأن أم الزوجة أهدت حفيدتها هدية لم ترق لوالد الطفلة، فحصل شجار بين الزوجين، تلاه طلاق.
"الرسالة" التقت فدوى -اسم مستعار- التي استيقظت من نومها فلم تجد زوجها، وبعد يومين هاتفها من دولة عربية ليخبرها بأنه طلقها ويريد الزواج والاستقرار في هذه الدولة، وهكذا وجدت نفسها مطلقة مع أربعة أبناء وقد ضاعت كل حقوقها وحقوق أبنائها.
"الرسالة" انتقلت بالحديث إلى محمد أبو العمرين أحد رجال الإصلاح، وممن لديهم خبرة في التعامل مع عشرات المشاكل الأسرية والزوجية، وسألته عن أهمية وجود قانون يعطي المرأة حقاً بالحصول على نفقة بسبب الطلاق التعسفي فأجاب بالقول: "الوضع كارثي"!
وأضاف: فمثلا هناك امرأة متزوجة من ابن عمها الذي اختلف مع أبيها، وبعدها بنصف ساعة عادت البنت مطلقة، تاركة وراءها ستة أطفال، فالمرأة أصبحت وسيلة لتصفية حسابات الرجال لتكون هي الضحية، حسب قوله.
ويتابع أبو العمرين أن المرأة تتعرض لافتراء حقيقي، فمن بين كل مائة حالة تكون المرأة السبب في حالتين أو ثلاث فقط.
وعن تجربته كأحد رجال الإصلاح يقول أبو العمرين: دخلت في حل الكثير من قضايا الخلاف بين الأزواج، وأجد في كل قصة أن رجال العائلة حاضرون ويتدخلون في أمر من المفترض أنه خاص بالزوجين، موضحا أن هذا التوسيع في دائرة الخلاف يزيده.
أبو العمرين: الوضع كارثي وأغلب حالات الطلاق سببها الرجال
في قصص كثيرة يرى أبو العمرين أن هناك ظلماً للنساء، وافتراء من الرجال، وعائلات تؤيد أبناءها الذكور على ظلمهم، مضيفاً: "يركضون لتحقيق الطلاق، وإن تم يبحثون في طرق جديدة لحرمان الأم من أبنائها.
تعميم واجب
ومن خلال متابعة المجلس الأعلى للقضاء أظهرت المعطيات أن 68% من حالات الطلاق هي بقرار فردي من الرجل، ودون إرادة من الزوجة، وهذا دفعهم لإصدار تعميم قضائي جديد رقم (19/2022) مع بداية هذا العام حول الطلاق التعسفي.
وجاء في نص التعميم أنه "إذا طلق الزوج زوجته تعسفاً بغير سبب معقول، وطلبت من القاضي التعويض، حكم لها على مطلقها بتعويض لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد عن نفقة ثلاث سنوات ويراعى في فرضها حال الزوج عسراً ويسراً، ويدفع جملة واحدة إذا كان الزوج موسراً، وأقساطاً إذا كان الزوج معسراً ولا يؤثر ذلك على حقوقها الأخرى".
وفي مكالمة مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة الشيخ حسن الجوجو قال إن هذا التعميم لم يأت من فراغ، فقد انتشرت قضايا الطلاق التعسفي الظالم ما أثر على حقوق النساء في قطاع غزة، على حد تعبيره.
ويضيف الشيخ الجوجو "نحن كقضاء شرعي نتلمس المشاكل في المجتمع الفلسطيني التي لها علاقة بعملنا، ونصدر على أساسها تعميمات قضائية مفسرة وكاشفة لقوانين موجودة وقد أصدرنا 27 تعميما فيما يخص الأسرة منذ بداية العام.
ويوضح أنه "منذ فترة وجدنا أن هناك رجالا يطلقون نساءهم دون أي سبب لحاجة في أنفسهم، وهذا الأمر مرفوض في الشريعة الإسلامية التي تنص على أنه لا يجوز التعسف في استخدام الحق، وتفرض التعويض عن الضرر وعلى ذلك تنص القوانين الأردنية والمصرية".
الجوجو: سنقدم مسودة قانون للتشريعي خلال شهرين
ولفت إلى أنهم رأوا أنه من الضروري -مع ازدياد الحالات- إنصاف المرأة، لأنها كالرجل أساس في الأسرة، مشيراً إلى أنهم أصدروا تعميمات بوجوب تثبيت الطلاق في المحكمة، حيث لا يعتد بالطلاق الشفوي لأنه هجر.
وذكر الجوجو أن من لم يوثق الطلاق في المحكمة الشرعية تفرض عليه غرامة وهو أمر قانوني منذ عام 1923م وأصبح العمل به ساريا الآن.
ماذا يعني؟
وفي سياق التحقيق، ولمعرفة رأي مؤسسات المجتمع المدني، توجهت معدة التحقيق للمحامية زينب الغنيمي مديرة مركز الإرشاد القانوني للمرأة، التي أوضحت أن معظم الحالات التي أتت للمركز تعد طلاقاً تعسفياً وهي حالات لنساء كبيرات في السن، طُلقن دون أي ضامن لحقوقهن، ومنهن مريضات خاصة بالسرطان.
وتضيف: حينما يكون الزوج مريضاً بمرض لا شفاء منه، لا يوجد قانون يعطي زوجته الحق بطلب الطلاق، لكن إذا كان العكس –وهذا حال معظم النساء المطلقات تعسفياً- فإنه يطلقها دون أي مسوغ قانوني يمكن أن يمنعه، فلماذا هذه التفرقة؟
اليوم، وحسب الغنيمي يصل لمركزها الكثير من الحالات لنساء ضاعت أعمارهن في انتظار زوج عقيم حتى يعالج نفسه لينجب، وحينما أصبح لديه فرصة للإنجاب كبرت هي بالعمر وببساطة طلقها فباتت دون أولاد وحتى دون عائلة، فأي شرع يمكن أن يعطي الرجل هذا الحق؟!
الغنيمي: التعميم حصاد لسنوات النضال ولكنه غير كاف
وحسب الغنيمي، يوجد في القانون طلاق حر للرجل متى شاء دون أي ذكر للأسباب، وهذا غير منصف للمرأة.
ولكن يبقى السؤال: ما هو الطلاق الذي يمكن أن نعتبره تعسفيا؟! وكيف يستطيع القاضي تقييمه؟
تجيب الغنيمي بضرب مثل لزوج عاشت معه زوجته أربعين سنة ثم قرر أن يتزوج بأخرى لأن زوجته كبرت وأراد أن يجدد حياته، فطلقها. هذا طلاق تعسفي لأنه تركها في وقت هي أحوج فيه للشريك وللمعيل ولا يوجد لها بيت أو مصدر دخل.
وتضيف الغنيمي: "فمن غير المعقول أن تلاقي نفسها بالشارع بعد عمر من الزواج لأن الرجل أراد ذلك".
غير كافٍ
من جانب آخر، دعمت الحقوقية النسوية زينب الغنيمي، التعميم القضائي الجديد والخاص بالطلاق التعسفي، معتبرة إياه حصاداً لسنوات من النضال لنيل جزء من حقوق السيدات، مشيرة إلى أن تلك التعميمات بمجملها ذات أصول في القانون الفلسطيني، وتضمن للمرأة حياة كريمة، خاصة ان لم يكن لديها مصدر رزق وتعرضت للطلاق تعسفاً.
وأوضحت أن التعميم هو لتوضيح الظلم في استعمال الحق، يعني أن للزوج سلطة بموجب القانون لكنه استخدمها بشكل ظالم.
وبموجب هذا التعميم يصبح كل طلاق يوقعه الزوج بالإرادة المنفردة طلاقاً تعسفياً ومن حق الزوجة المطالبة بحق التعويض، ويجب عليه أن يثبت أن طلاقه كان بسبب مقنع.
ورغم دعمها للتعميم، فإن الغنيمي شخصت عدة عيوب فيه وتقول: التعميم غير كاف، وغير واضح لأنه يراعي عسر الزوج ويسره، يعني ببساطة يمكنه ألا يدفع، فماذا تفعل الزوجة في هذه الحالة؟!
وترى أن التعميم لا يزال يسعى لمصلحة الرجل بالدرجة الأولى، ومراعاة وضعه المادي، متسائلة عن مراعاة وضع المرأة.
وتقول الغنيمي: النفقة في كل الحالات لا تتجاوز الخمسين ديناراً، وهذه أيضا ينظر فيها لوضع الرجل عسره ويسره!!
المرأة تخاف
وفقا للمعلومات التي وصلت إليها "الرسالة" فإن حجم الدعاوي التي ترفعها المرأة قليلة جدا، والقاضي يحكم بنفقة فيها من شهر لسنة، وغالبيتها يجري الحكم فيها لستة أشهر فقط، وهذا المبلغ لا يكفي حتى لأتعاب المحامي، لذلك تحجم النساء عن رفع مثل هذه القضايا.
مريم البرش مسؤولة دائرة الأسرة والطفولة في الشرطة النسائية توضح أن الشرطة تستقبل منذ عام 2007 حالات مشابهة، وكلها تحت بند الطلاق التعسفي، مضيفة: "تعيش الزوجة حياة كاملة مع زوجها وفجأة دون سبب يرسل لها ورقة الطلاق، لافتة إلى أن كثرة هذه الحالات توجب التعميم للحد من تعسف الرجل باستخدام حقه في الطلاق.
وتوضح في مقابلة مع الرسالة: " لقد وصلتنا كثير من القصص وجلسنا مع كثير من الرجال، وسمعنا منهم ولم تكن أسبابهم مقنعة لتطليق الزوجة".
وتضيف: "إدارة الشرطة المجتمعية التي استحدثناها في جهاز الشرطة لحل المشاكل الأسرية تحاول أن تلجأ للحلول الودية. وفي حال الفشل تحول القضية إلى "جمعية عائشة" أو "المركز الإرشاد القانوني للمرأة" لتقديم المساعدة".
وعن عدم لجوء النساء إلى القانون في كثير من الحالات، تقول البرش: "في الحقيقة القانون لا يخدم النساء كثيرا، والقضايا تأخذ وقتا طويلا من عمرهن، فتضطر الزوجة للصبر وترضى بالظلم حتى لا تحرم من أولادها، وحتى لا تعلق في المحاكم".
وتستشهد بقصة لامرأة طعنها زوجها في شرفها، وعنفها بأقسى درجات العنف، حاولنا إقناعها بطلب الطلاق، واللجوء إلى المحاكم لكنها اختارت العودة لأجل أولادها.
البرش: أكثر الحالات التي وصلتنا لمطلقات "مغتربات"
وتعتبر البرش أن أصعب قضايا الطلاق التعسفي التي مرت عليها كان في معظمها مع مغتربات كالتونسيات أو الجزائريات المتزوجات من فلسطينيين، حيث تطرد الزوجة من بيتها أو تطلق ولا تعرف إلى من تلجأ ونضطر لوضعها في بيت لإيواء النساء المعفنات.
الحقيقة وفق رأي البرش، أن القانون مجحف بحق المرأة التي تريد أن تحصل على الطلاق لأي سبب وعليها أن تتنازل عن حقوقها كاملة مهما كانت أسبابها مقنعة لطلب الطلاق.
وتنوه إلى أن الدائرة تساعد النساء للحصول على حقوقهن وطلاقهن بالكامل، وهناك حالات لا يتعاون فيها الأهل، ويحاول الأب أن يجبر ابنته على الصبر، حتى حدثت جرائم قتل وراحت ضحيتها المرأة لأن أهلها لم يقبلوها مطلقة في بيتهم، إذ يعتبرون الطلاق عارا كبيرا على العائلة.
قانون قديم
ومن خلال بحث معدة التحقيق، اكتشفت أن هناك قانونا قديما يدعم المرأة المطلقة تعسفيا وقد ذكر فيه التعسف ولكنه لم يكن مطبقا وهذا يعني أن هذا التعميم مستند لقانون قديم.
كما أن في المادة رقم 134 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1976م قد ذكر الطلاق التعسفي والتعويض للمطلقة بالنص التالي: "إذا طلق الزوج زوجته تعسفاً كأن طلقها لغير سبب معقول وطلبت من القاضي التعويض حكم لها على مطلقها بالتعويض الذي يراه مناسباً بشرط ألا يتجاوز مقدار نفقتها عن سنة. ويدفع هذا التعويض جملة أو قسطاً حسب مقتضى الحال ويراعى في ذلك حالة الزوج يسراً وعسراً. ولا يؤثر ذلك على باقي الحقوق الزوجية الأخرى للمطلقة بما فيها نفقة العدة".
ما جعل القضاء يبادر بإقرار هذا التعميم وفق الجوجو هو كثرة طرح القضايا التي ترفعها المؤسسات الحكومية والمؤسسات النسوية وعدم وضوح القانون، حيث يقول: "القانون غير مفهوم!".
مضيفا: "على المرأة أن تشكو كما يشكو الرجل، وحالات الطلاق التعسفي زادت وعلى مكتبي الكثير من القضايا يريد الزوج فيها أن يتزوج والزوجة الثانية تشترط الطلاق، وفي حالات أخرى تكون المرأة داعمة له على مر سنوات حتى أصبح صاحب منصب كبير وبات يعتبر زوجته غير مناسبة لمكانته الاجتماعية الجديدة فيطلقها ويحرمها حتى من أبسط حقوقها".
وعن عدم وضوح التعميم واقترانه بوضع الرجل، يلفت الجوجو إلى أن أغلب الحالات هي لرجال ميسوري الحال، طلقوا زوجاتهم ليتزوجوا من أخريات، فكيف يتزوج الأخرى وهو لا يستطيع أن يقدم نفقة للأولى؟! ولكن على حد قول الجوجو: "النفقة تختلف بين كل حالة والأخرى".
والأهم في هذا الموضوع أن الجوجو أخبرنا في نهاية حديثه أن العمل بالتعميم عُلق بالاتفاق مع المجلس التشريعي.
ولفت إلى أن هناك اتفاقاً جديداً بين القضاء والمجلس التشريعي يقضي بتقديم مسودة معدلة لقانون الأحوال الشخصية، متأملاً البدء بالعمل بقانون الأحوال الشخصية النهائي الذي سيقدمه القضاء خلال شهرين على طاولة التشريعي على حد قول الجوجو، لإدخاله في قراءة أولى، متمنيا أن يبدأ العمل به في الشهور القادمة.