في تصريحات سابقة ومثيرة قال قائد سلاح المشاة في جيش الاحتلال “يوؤال ستريك” إن المجتمع الإسرائيلي لم يعد يحتمل الخسائر في الحروب وخاصة البشرية منها. تصريح ذو دلالة مهمة تعبر عن مستوى إرادة القتال لدى الجندي الصهيوني وعن درجة استعداد المجتمع للتضحية من أجل ضمان استمرار بقائه.
ويواصل الجيش منارواته العسكرية الجوية والبرية والاستخباراتية تهيئة لما يزعم احتمالية اندلاع حرب متعددة الجبهات، تستهدف مستوطناته في شمال فلسطين مع جبهة لبنان ويمثلها حزب الله وفي الجنوب قطاع غزة وتقف على رأسها فصائل المقاومة الفلسطينية، والضفة والقدس والداخل المحتل قوة شعبية فلسطينية تقود مقاومة شعبية ميدانية، وعلى الجهة الأخرى يتجدد خطر إيران الذي يهدد أمن الكيان ومستقبل وجوده على هذه الأرض.
تقدر الأوساط السيادية العسكرية في الجيش الصهيوني إمكانية تعرض الكيان الصهيوني لحرب من جهات عدة تبدأ بإطلاق آلاف الصواريخ في اليوم الواحد على تستهدف منطقة الوسط والأماكن الأكثر حيوية كمحطات توليد الطاقة الكهرباء والغاز ومواقع مطارات الطيران الحربي وقواعد الأجهزة الاستخبارية التجسسية والمطارات المدنية ومواقع إطلاق الطائرة المسيرة الهجومية، إضافة إلى تعطيل الحياة لأكثر من 8 ملايين مستوطن يعيشون في الداخل المحتل، وتحول المدن الإسرائيلية إلى مناطق أشباح.
تلك الصورة التي تضعها القيادة العسكرية والأمنية أمام ناظري صانع القرار في الحكومة الصهيونية ليحدد الأخطار المحدقة بكيانه.
يتكون الجيش الصهيوني من ثلاثة أسلحة رئيسة هي: سلاح المشاة – القوات البرية -سلاح الجو – سلاح البحر وتسع ألوية تضم لواء جولان وجفاتي وكفير والناحل ولواء المظليين والمدفعية – والمدرعات- إلى جانب اللوائين الهندسة والاستطلاع – والجبهة الداخلية. ويبلغ إجمالي عدد أفراد القوات المسلحة الصهيونية في الخدمة حوالي 180 ألف جندي. ويوجد630 ألف جندي احتياط في “إسرائيل”.
كما يوجد في الكيان 3,5 مليون شخص قادر على المشاركة في الجيش. ويمتلك جيش الاحتلال ضمن ترسانته العسكرية المهولة أكثر من 684 طائرات الحربية بكافة أنواعها يحتل بها المركز رقم 16 على مستوى العالم، منها 242 طائرة مقاتلة.
و101 طائرة نقل. و247 طائرة تدريب، ومن أبرز الطائرات المقاتلة في سلاح الجو للاحتلال طائرات (F15) و(F16). وطائرة (F35) إضافة إلى 66 قطعة، بحرية و5 غواصات.
نفذ جيش الاحتلال خلال 72 عاما منذ احتلال فلسطين مئات العمليات العسكرية وخاضت عددا من الحروب في المنطقة العربية وفلسطين المحتلة أهمها حروبها العدوانية الفاشية ضد سكان قطاع غزة 2006-2021، استخدمت القوات الإسرائيلية أهم أسلحتها النارية وحازت على تفويض أمريكي وغطاء دولي لعدوانها الذي اعتبرته المؤسسات الحقوقية الدولية ومنها محكمة الجنائية الدولية أنها تصل لجرائم حرب.
اعتمدت القوات العسكرية الصهيونية على تحقيق قوة الردع ضد الشعب الفلسطيني استخدام قوة نارية هائلة، وأسلوب المناورة الهجومية المباغتة ونقل المعركة داخل أرض العدو ضمن استراتيجية العمق الاستراتيجي للأمن القومي وإلحاق هزيمة ساحقة للعدو، غير أن حقائق الواقع تشير إلى غير ذلك حيث فقدت ( إسرائيل) توازن الردع أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال معركة الفرقان ( الرصاص المصبوب) عام 2009م، ولم تستطع تحقيق أهداف العملية العسكرية التي من أجلها نفذتها وهي استعادة الجندي الأسير لدى كتائب القسام جلعاد شاليط، وإسقاط الحكومة العاشرة التي شكلتها حركة حماس و احتلال القطاع وعودة السلطة التابع لحركة فتح إليه، وسرعان ما تبددت تلك الأحلام تحت ضربات صواريخ المقاومة التي كانت تصل إلى العمق الجنوبي من المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، ثم تكرر فشل الرهان على قوة الردع في معركة السجيل (عامود السحاب) واستخدم الطيران الحربي الصهيوني خلال قوة جوية كبيرة استمرت ثماني أيام من العدوان المتواصل وتوقف بعد تدخل من مصر برئاسة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي ودول أخرى وسيطة، وكان ذلك الفشل الثاني في غضون بضع سنوات، لكن الدلالة المهمة على تراجع الأداء العسكري للمقاتل (الإسرائيلي) ظهر في العدوان الكبير على غزة عام 2014 في معركة العصف المأكول (الجرف الصامد) حيث كبدت المقاومة الفلسطينية جيش الاحتلال خسائر مادية فادحة في الأرواح والممتلكات وتمكنت من أسر جنديين لم يعرف مصيرهما بعد حتى اللحظة، ولم تستطع أي حكومة صهيونية من إنقاذهما، ثم تبعها اعتقال اثنين آخرين بعد دخولهما القطاع عقب مرور وقت طويل على انتهاء الحرب.
وشكلت معركة سيف القدس العام الماضي أهمية بالغة ودلالة كبيرة في تراجع الأداء العسكري الصهيوني أمام صلابة المقاومة حيث سقطت أوراق وحسابات كثيرة لدى المستويين العسكري والسياسي في تحقيق الأمن للمستوطنين ولسكان الكيان وتمكنت المقاومة الفلسطينية من قصف العمق المركزي للاحتلال وعاصمته الاقتصادية مدينة تل أبيب بمئات
الصواريخ وأظهرت المعركة تحكم المقاومة في سير الحياة داخل المستوطنات وإلحاق أضرار جسيمة في المواقع الحيوية والاستراتيجية الأمنية منها والعسكرية والمطارات.
لقد خرج القادة العسكريون الصهاينة بقناعة واضحة استحالة اسقاط أو إنهاء المقاومة الفلسطينية في غزة بل يمكن أن تتحول كل فلسطين لغزة، ولا يستبعدون أن تتحول أراضي الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل لساحات حرب إضافية على كل التراب الفلسطيني.
لا تزال مفاعيل نتائج معركة سيف القدس عسكريا تلعب دورا مهما في التأثير على الاستعداد النفسي لسكان الكيان الصهيوني فقد أحدثت شرخا كبيرا بين شعور المجتمع بقدرة الجيش على جلب الأمن والسلام له وبين تمكن صواريخ المقاومة مع فارق القدرة على الوصول إلى عمق أماكن الأمان داخل المدن الصهيونية، وشكلت معركتي العصف المأكول وسيف القدس حالتا كي للوعي الجمعي في المجتمع (الإسرائيلي) تمثلت في سقوط وفقدان إرادة القتال عند الجندي بعد عام 2014م، وشعور بالخوف وفقدن الأمن لدى المستوطن بالخشية من الموت وعدم الثقة بقوة جيشه في استعادة الأمن و تحقيق الردع.