قبل ان يقع المنظمين والمشاركين بمسيرة الأعلام في فخ الجحيم الذي أعدته المقاومة، نرسم مشهد التحول في السياسة الصهيونية ما بعد معركة سيف القدس، وما أصابها من اضطرابات واهتزازات استراتيجية أصابت مفاصل المؤسسات الأمنية الصهيونية وكذلك المستوى السياسي.
كان يُنظر لمسيرة الأعلام بموعد احتفال الشعب اليهودي وتخليد ما يصفونه "الهيكل" واستعداد كل القوى الصهيونية لهدم قبة الصخرة، وبناء هيكلهم المزعوم، وقد كان ذلك بمثابة يومًا تاريخيًا لاستنهاض اليهود عبر أقطار العالم الموالين للكيان على أرض فلسطين.
لم توقف السلطة هذا التطرف الصهيوني الذي اتسعت رقعته بالمدينة المقدسة، بل تم تهويد مدينة القدس بعد الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير، وهُجر آلاف المقدسيين من أرضهم، وإجلاء حارات وقرى بأكملها محيطةً بالمسجد الأقصى، واكتفت السلطة بلطم الوجه أمام ساحة الإعلام، والتنسيق مع الاحتلال خلف الستار وبين بارات المؤسسات الأمنية التي تقمع وتنكل في الضفة وتفكك خلايا المقاومة، وتتغول على إرادة الشعب.
المقاومة اليوم ورغم ما يحيط بها من مؤامرات كونية، والتحديات التي تصطدم بجدرانها، وانتهاك حقوقها وخصوصيتها كممثل عن الشعب الفلسطيني ومدافعًا عن حقوقه، ما زالت تقود المرحلة بقوة وحكمة واقتدار، ويقين بالله تعالى، متمسكة بالثوابت وبالأرض والهوية، صلبة بمبادئها التي تحولت لثقافة تتغلغل بين أبناء المجتمع، يتمسكون بها، ويعملون من خلالها، وينطلقون من ساحاتها التي تتسع للجميع ولم تُغلق في وجه أحد.
يدرك الاحتلال هذا التحول، ويعلم جيدًا أن مراحله المتقدمة قد انتهت، وقد بدأ يعود إلى محطات اللا عودة، والاستعداد للخروج من حيث أتى، والمقاومة اليوم ليست كمقاومة أمس، ومقاومة غد، ليست كمقاومة اليوم، لأن مراحل التطور تسبق الزمن، والفهم الذي يحظى به الفلسطينيين أجهض استراتيجية كي الوعي، ونشأة الجيل الجديد بين أحضان المقاومة باتت تشكل الكابوس الذي ضرب مفاصل دولة الاحتلال، وبدد أدوات القمع الفكري والنسف الحضاري.
تسطر المقاومة اليوم تاريخًا مشرفًا، وهي تقف في وجه الاحتلال، وتُشغل القوى الدولية، وتحرك طاقات الشعوب، وترعب قادة الاحتلال، وترسم لوحة جديدة من البطولات التي أعادت لقضيتنا مكانتها وزيادة، وأعادت للأمة بأكملها هيبتها وقوتها، وهيأت الشعوب لمعركة التحرير التي يرتقبها الأحرار والشرفاء بشغف، ويعملون لأجلها، ويقدمون لها الأنفس والدماء..