مؤخراً، بات الجيل الغزي الجديد يردد "رايحين على البلدة القديمة". عبارة فيها الكثير من الشوق والحنين لأزقة وأحياء المدينة المقدسة، التي شاهدوها صوراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فارتبطوا بها، وراحوا يبحثون عن أي مكان في قطاع غزة يحكي قصة تاريخ حضارة كنعانية.
من ًقصر الباشاً إلى محيط المسجد العمري مروراً بـ"سوق قيسارية" إلى "سباط العلمي" و"بيت ستي" في حي الزيتون، ووصولاً إلى "قلعة برقوق" في خانيونس، أسوار قديمة تشبه كثيراً منطقة باب العامود وأسواق القدس العتيقة، وكذلك البلدات القديمة في نابلس والخليل وبقية مدن الضفة.
بالقرب من مسجد العمري بمدينة غزة، تجلس الشابة العشرينية "جنين غانم" برفقة صديقاتها في مطعم بسيط لبيع المعجنات افتتح حديثاً، راحت تلتقط برفقتهم العشرات من الصور التي تضعها على تطبيق "الانستغرام والسناب شات" وتعلق "مناقيش زعتر وكأسة شاي في البلدة القديمة"، تماماً كما يفعل المقدسيون وهم يتناولون طعام الفطور في باحات الأقصى.
بمجرد أن وضعت "جنين" تلك الصور، انهالت التعليقات عليها "متى روحتي القدس؟"، "وين هاد المكان؟"، لترد أنه في "البلدة القديمة"، فتحمس المتابعون شوقاً أكثر لتشبع فضولهم وتقول "بجانب المسجد العمري".
تحرص الشابة على التقاط الصور التي تظهر فيها حجارة المحل البسيط الذي كان مهجوراً لعشرات السنين، وتلتقط الكثير من الزوايا لسطح المسجد العمري ومأذنته العتيقة التي تروي حكاية أزمنة تعاقبت عليها.
وإلى سوق القيسارية "الذهب" القريب من المكان ذاته وتحمل أزقته الضيقة -بالكاد تكفي لشخص واحد يمر بها - حكايات أجيال طويلة قصدته للبيع أو الشراء، على مداخل السوق، يصطف العديد من بائعي القهوة الذين يحرصون على تقديمها في "دلة" نحاسية قديمة ربما ورثها غالبيتهم من آبائهم أو حتى الأجداد.
يقترب "أحمد" بصحبة زوجته التي تلتقط له صورة ويعلق عليها "قهوة البلدة القديمة غير"، كلها عبارات بحجم شوقهم للقدس، لدرجة أن الفترة الأخيرة باتت عائلات بأكملها تتوارد على تلك الأماكن بعد فترة عزوف.
إلى مطعم "بيت ستي" يهرب الكبار قبل الصغار لاحتساء كوب من الشاي بين حجارة البيت القديم الذي يشبه بيوتهم التي ترعرعوا فيها، ليست حجارة المكان فقط تعيدهم للماضي، فالتلفون والأثاث والسجاد كله عتيق، تشعر وكأنك في "بيت ستك" فعلاً.
ولم يقتصر هروب الغزيين للمطاعم والأسواق القديمة حباً في القدس، فهم يعيشون تلك التفاصيل حتى في أنشطتهم الثقافية كما يجري في سباط العلمي وهو بيت قديم يعود لعائلة "العلمي" يقص الكثير من المواقف التي عاشها أصحاب البيت قبل أكثر من مائة عام.
حتى شوق الغزيين خاصة الصغار الذين لم يتمكنوا ولو لمرة واحدة الصلاة في الأقصى، وجدوا في المسجد العمري مكاناً يروي شوقهم، فباتت عشرات من الفتيات يدخلن المسجد لأداء الصلاة.
شغف الجيل الغزي الصغير بالتواجد في البلدة القديمة لمدينة القدس، لايزال يدفعهم للبحث عن أماكن تراثية قديمة مهجورة في قطاع غزة لإحيائها، إلى أن يظفروا بتصريح يسمح لهم العبور إلى الاراض المحتلة وزيارة البلدات القديمة في القدس ونابلس والخليل وعكا ويافا.