قائمة الموقع

أوسلو والوظيفة الأمنية

2022-06-07T20:22:00+03:00
 ياسر الخواجا
 ياسر الخواجا

تُعد اتفاقية أوسلو التي مضى على توقيعها ما يقارب الثلاث عقود بمثابة نكبة مؤلمة تُضاف إلى نكبات الشعب الفلسطيني، حيث تُعد طعنه نجلاء وجرحاً غائراً وعميقاً في خاصرة القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني التحرري.  فقد  مضت كل تلك السنوات ومازال هذا المشروع الأكثر كارثي في تاريخ القضية الفلسطينية المعاصر  جاثماً على صدر المقاومة وعبئاً ثقيلاً على شعبنا الذي يدفع ضريبة وجوده واستمراره.

أوسلو التي صيغت بنودها بأيدي صهيونية مسقوفة بنص صهيوني وإرادة صهيونية مُحكمة بحيث لا تُعطي أي فرصة للطرف الفلسطيني الانفكاك منه، فهي التي أذابت البُعد الإسلامي للقضية وجعلته في إطار القومية العربية ثم تحوله إلى الدائرة الفلسطينية ثم تحصره بفريق فلسطيني، وبذلك فتحت الباب واسعاً أمام الهرولة المجانية للخيانة والتطبيع لبعض الدول العربية التي كانت تنتظر هذه الفرصة لتبرر تطبيعها الخياني.

اتفاقية أوسلو التي وقعت في13/9/1993 أعلن فيها إنتهاء حالة الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، والاعتراف المتبادل بدولة للصهاينة وأحقيتهم  على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، وهذا أحد أبرز البنود الذي حول المغتصب الصهيوني من مغتصب للحق والأرض إلى دولة شرعية لها حقوق يتم التفاوض عليها، ومنذ ذلك الوقت تشكلت حالة الانقسام بين فئات الشعب الفلسطيني بين فريق تجرد من مشروعه المناهض للمشروع الصهيوني من خلال العمل المسلح إلى فريق حامي وحارس لأمن المشروع الصهيوني بكل أبعاده السياسية والأمنية والاجتماعية، وبالتالي تجذرت وتعمقت حالة الانقسام والاختلاف لتتطور إلى حالة  كاملة من التناقض، أدت إلى تحول فريق ربط مصيره نهائياً بمصير العدو الصهيوني وأدار ظهره إلى شعبه، أمام فريق يريد مقاتلة ومقاومة ما يسمى بإسرائيل  والقضاء عليها وإنهاء وجودها عن الأراضي  الفلسطينية، فهذا الاتفاق في كل مراحله يؤكد على الناحية الأمنية وحماية الاحتلال وتصدر السلطة لهذه المهمة التي تبلورت بنود أوسلو كلها من أجل هذه المهمة، وتجسدت الوظيفة الأمنية منذ بداية التوقيع عليها، ومن خلالها انقلبت المفاهيم، حيث أنه في البداية كان الاتفاق على الأرض مقابل السلام ليتحول إلى مفهوم الأرض مقابل الأمن وبقي هذا المفهوم إلى وقتنا هذا متجسداً بسلوك السلطة الأمنية تجاه المقاومة الفلسطينية. وربما رئيس السلطة محمود عباس عبر عن ذلك  بشكل واضح مختصراً حقيقة أوسلو «بالوظيفة الأمنية» بعبارته الشهيرة عندما قال: بأن التنسيق الأمني مقدس حتى لو اختلفنا فى السياسة أو اتفقنا، وقد عبر عن ذلك فى ظل غياب أي محرك جدي لعجلة المفاوضات التي باتت لا تشكل أي أهمية لهذا الكيان في ظل غياب كامل لأي من أوراق القوة وهو ما عبر عنه أرئيل شارون آنذاك مستهيناً ومستخفاً بالسلطة وضعفها، قائلاً: إن اتفاقية أوسلو لا تساوي الحبر  الذي وقعت به. نعم هذه هي الحقيقة التي أرادها هذا الكيان وهو أن يجعل من السلطة فريق حددت له وظيفته الأمنية فقط لتخدم أمن الكيان الصهيوني في مواجهة الفريق المقاوم وبذلك تشوهت المفاهيم.

أصبح الاحتلال طرفاً في عملية ما يسمى بالسلام، في حين اعتبرت المقاومة الشرعية إرهاباً لأمن ما يسمى "إسرائيل" وهنا تكمن المفارقة المخزية للسلطة، إذ يعتمد اقتصاد السلطة على المنح الخارجية بـ80%من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة  الأمريكية، ويُعد  ذلك مشروط بمدى رضا الاحتلال على الأداء الأمني للسلطة، وكذلك ثلثا دخل السلطة من الضرائب  التي تأتي على شكل «مقاصة» من الجانب الصهيوني، وهذا مرهون بالرضى الأمني للكيان، بمعنى أن عصب ومقومات استمرار الحياة للسلطة هو بأيدي الصهاينة. إذن نحن أمام سلطة ربطت مصيرها بشكل كامل بمصير الاحتلال، فهي لا تملك أي دور لها ولا تملك استقلال لقرارها.

أمام هذه المعطيات.. هل يمكن بناء أي مشروع وطني تحرري على أنقاض هذه السلطة أو الالتقاء معها والدخول والمشاركة في منظمة التحرير بشكلها وتبعيتها الحالية لهذا الكيان؟ وهل يمكن أن تتم المصالحة وإنهاء الانقسام؟ علماً أن الانقسام لا ينتهي إلا بإنهاء ما تبقى من أوسلو «الوظيفة الأمنية».

أسئلة مشروعة ومطروحة بقوة لدى كل فلسطيني عانى من آثار هذا الانقسام  وآثار التنسيق الأمني الذي لم يكن يوماً في الصالح الفلسطيني، بل على العكس يأتي فى سياق حماية الاستيطان  والأمن الصهيوني، وهو ما أثبته الواقع والحقائق  على الأرض، فاستمرار  السلطة بالوظيفة الأمنية الخيانية قد أعطت العدو شرعية لممارسات الاحتلال من توسع السرطان الاستيطاني وارتكابه جرائم القتل والاعتقال والملاحقة اليومية لأبناء شعبنا وتهويد مقدساته.

 أمام ذلك كله أؤكد على استحالة الالتقاء مع هذا الفريق منطلقاً من فهمي العميق لجذور المشكلة، فهذا الفريق غير قادر على صناعة موقف مستقل بعيداً عن رغبة الاحتلال الصهيوني حتى لو تعلق الأمر  بالمقاومة الشعبية؛ لأنها تُشكل خطراً على الكيان الصهيوني.

 الخلاصـة

أوسلو إلى متى؟.. وإلى متى سنستمر في دفع ضريبة استمرار الوظيفة الأمنية التي أنهكت المشروع الوطني و شكلت حالة من التناقض والانقسام في بنية وتركيبة  الشعب الفلسطيني.  وإلى متى سنتحمل آثاره الخطيرة على القضية ووجوده كعقبة وحائلاً أمام نهوض مشروعنا الوطني الجامع.. أسئلة ستبقى تُلاحقنا وتؤرقنا كشعب ومقاومة حتى نجد المخرج، ولا يكون ذلك إلا بتشديد الاشتباك الدائم مع العدو لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها السلطة فكلما تألم العدو أدى ذلك إلى إضعاف  السلطة لأن الارتباط بينهما ارتباط جدلي ومصيري.

اخبار ذات صلة