في ذكرى حرب الرصاص المصهور بحسب الصهاينة، وحرب الفرقان بحسب حماس وقوى المقاومة الأخرى، تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع مشفوعة بالتهديدات اليومية من أركان الحرب والسياسة في كيان العدو، وهي اعتداءات تستعيد ذات المقدمات التي سبقت الحرب ممثلة في تهديد العدو بأنه لن يسكت على استمرار إطلاق الصواريخ وزرع العبوات على الحدود إلى غير ذلك من أعمال المقاومة.
يبدو أن أكثر المناوشات التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة لم تكن على الضد من إرادة حماس، بدليل أن بعضها كان من حركة الجهاد وألوية الناصر صلاح الدين الأقرب إليها، ربما بسبب حلول ذكرى الحرب وتأكيداً على أن غزة لم تهزم، وربما للتأكيد أيضاً على أن أي استهداف لأي أحد في القطاع أياً كانت هويته هو عدوان لن يواجه بالسكوت.
والحال أن فرص المقاومة في قطاع غزة (خلا مواجهة التوغلات الإسرائيلية) هي جد محدودة، والسبب أن مناطق التماس التي يمكن الاشتباك فيها مع قوات العدو مكشوفة أمام الطيران الذي لا يغادر سماء القطاع، وأيما أحد يقترب منها يغدو في مرمى النيران، كما أن المحاولات الإبداعية الأخرى مثل الأنفاق لم تعد ممكنة بعدما أصبح العدو متحفزاً لها، ودليل ذلك أن سائر المحاولات التي وقعت منذ عام وإلى الآن، بل ربما قبل ذلك لم تصب نجاحاً يذكر.
صاروخ "كورنيت" الذي أطلقته كتائب القسام باتجاه دبابة إسرائيلية توغلت في القطاع واخترقها لكن رأسه لم ينفجر، كان رسالة أخرى من حماس مفادها بأن اجتياحاً آخر للقطاع سيكون أكثر صعوبة من سابقه، مع العلم أن العدو لم يجرؤ في المرة الماضية على دخول مناطق الاشتباك الحقيقية وبقي في المناطق المكشوفة التي يتفوق فيها على نحو ساحق بسبب قوة الطيران.
نذكر بذلك كله لنرد على أصوات ممجوجة ما برحت تتحدث عن وقف حماس للمقاومة في القطاع، مع استمرار المحاولات في الضفة (نجحت ثلاث منها خلال الشهور الأخيرة)، متجاهلين تلك الحقائق اللوجستية المشار إليها، ومعها حقيقة الكلفة العالية للصواريخ، فضلاً عن استحالة انتقال المقاومين نحو الأراضي المحتلة عام 48، بما في ذلك الالتفاف عبر الأراضي المصرية، بدليل عشرات المحاولات التي باءت بالفشل واعتقل رجالها من قبل الأمن المصري، أو قتلتهم طائرات الاحتلال.
الأهم من ذلك أن (كتائب القسام) لم تكن تلعب خلال المرحلة الماضية، بل كانت تعد العدة لمواجهة جديدة محتملة، وهي الآن ومعها الجهاد والآخرون جاهزون لرد العدوان بعدما تمكنوا من الحصول على أسلحة أفضل، ومن ضمنها الصاروخ المشار إليه الذي كان مفاجأة حرب تموز 2006، ما يرجح أن هدف العدوان الجديد في حال تمْ لن يكون العودة الكاملة إلى القطاع، بل ضرب ما راكمته المقاومة من أدوات قوة ما أمكن ذلك
في مقابل هذا الذي يجري في قطاع غزة، نتابع بالكثير من القهر ما يجري في الساحة المقابلة في الضفة الغربية، لا سيما في ظل استمرار البعض في الحديث عن مصالحة بائسة لا تعني في واقع الحال غير استسلام حماس لشروط السلطة، وهي ذاتها شروط الأمريكان والإسرائيليين (شروط الرباعية) التي تعني نبذ المقاومة والمضي في برنامج السلطة - الدولة التي هي الدولة المؤقتة، أو الحل الانتقالي أو السلام الاقتصادي.
إلى جانب ذلك، وفيما يواصل العدو استهتاره بالفلسطينيين والعرب، بل وبالقوى الدولية أيضاً، وأمام مشهد الاستيطان والتهويد بكل ما ينطوي عليه من سعار، نجد جماعة السلطة يواصلون مطاردة كل ما يمت إلى برنامج المقاومة بصلة.
من هنا يبدو الموقف أكثر من متباعد بين الطرفين، لا أعني الضفة والقطاع، بل أعني فتح الجديدة وحماس التي تصر على خيار المقاومة ورفض التفاوض العبثي، ما يعني أنه من دون عودة حركة فتح إلى روحها كحركة تحرر سيتواصل البؤس القائم في انتظار انتفاضة الجماهير ضد ممارسات الاحتلال والسلطة في آن واحد.