كان فاجعًا ما تابعه الفلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من اعتداء هجمي نفذه بلطجية جامعة النجاح بلباس الأمن الموجه بتعليمات أجهزة أمن السلطة، في مواجهة الاحتجاج السلمي لطلبة الجامعة، ليظهر التعامل الأمني الفج مع كل من يعلي صوته بالضفة.
واعتدى بلطجية أمن الجامعة على الطلاب، بالهراوات والرصاص الحي ورش الفلفل، والقنابل المسيلة للدموع، في مشهد لا يختلف مطلقًا عن اعتداء الاحتلال ومستوطنيه على الفلسطينيين في البلدة القديمة بالقدس، وفي كل الأرض الفلسطينية.
ولا يمكن لأمن جامعة أن يفعل ذلك، لولا أنه موجه من أجهزة أمن السلطة، التي لا تريد لراية خضراء، أو صوت حر أن يعلو في أي صرح أو مؤسسة تعليمية، وسط تواطؤ واضح من إدارة الجامعة، التي ساوت منذ أيام بين الضحية والجلاد، في الاعتداء السابق، الذي لو تم عقاب مفتعليه لما تكررت مشاهده.
فإدارة الجامعة التي صمتت عن قتل الشاب محمد رداد عام 2007، متوقع منها أن تترك الحبل لبلطجيته ليعيدوا الكرّة مرةً أخرى، فلا خطوط حمراء أمامهم، بعد أن اعتدوا على الطالبات والطلاب، وكذلك لم يسلم الدكتور ناصر الدين الشاعر، القامة الوطنية التي يجمع عليها الشارع الفلسطيني بأكمله.
وعزز رامي الحمد الله، الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمناء فيها، منذ سنوات طويلة، التدخل الأمني في الجامعة، مذ كان رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية، فلم يضع حدودا لتدخل الأمن، وترك باب الجامعة مفتوحا لعربدتهم على الطلاب، في سابقة هي الأخطر في تاريخ العمل الأكاديمي الفلسطيني.
وفي التعقيب على ذلك، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة إن ما جرى في جامعة النجاح يعطينا انطباعات سيئة عن أداء فاشل، حيث أنه لم يكن ليحدث هذا الاعتداء لولا وجود سياسة متعمدة لتسييس المؤسسات التعليمية، في إطار عمل لا أخلاقي.
وأضاف خريشة في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أننا في الفترة الأخيرة اعتدنا أن نرى صورا لرجال الأمن بزي مدني أو عسكري ينهالون ضربا على مواطن خلال قمع وقفات واحتجاجات، لكن أن يحصل هذا في جامعة عريقة يشعرنا بالاشمئزاز تجاه محاولات تخريب المؤسسات الوطنية الفلسطينية.
وأكد أن الاستهداف للحركة الطلابية مقصود، باعتبارها أحد أهم روافد العمل النضالي على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، ومن شأن الاعتداء عليهم ترك شعور الإحباط لديهم في هذا الوطن، من خلال إهانة كرامتهم، بشكل مقصود.
وشدد على أن قرارات الاعتداء على الطلاب، يدفع في اتجاه تهجير العقول إلى الخارج، في ظل عدم احترامهم في وطنهم وجامعتهم، وعدم الاكتفاء بملاحقة الاحتلال لهم، بل تلاحقهم أجهزة السلطة وأمن الجامعات!
ونبّه إلى أن تدخل الأمن في الجامعات ليس جديدا، خصوصا في النجاح، إذ كان لها صولة سابقة في عام 1997 حينما اضطر الرئيس ياسر عرفات لزيارة الجامعة لتهدئة الأوضاع والأخذ بخاطر الطلاب، ولكن اليوم لن نجد مسؤولا ولا حتى من إدارة الجامعة نفسها من ينزل ليعتذر للطلاب عما جرى من همجية وبلطجة.
أما خليل عساف رئيس لجنة الحريات في الضفة الغربية، فلم يختلف مع سابقه، في أن ما جرى في جامعة النجاح مقصود ومتفق عليه، ويهدف إلى جز أي حراك طلابي مقاوم يهدف إلى رفع المعاني الكبيرة للوطن، ودفعهم للهجرة خارج الوطن في أقرب فرصة.
وقال عساف في اتصال هاتفي مع "الرسالة" إن "هذه البلد أصبح فيها مسموح للبعض بالحديث، والبعض الآخر ممنوع، ومواطن درجة أولى ودرجة ثانية، تغييب واضح للقانون وعدم احترام له، حيث يستخدم في الوقت الذي يريده صاحب الأمر".
وأضاف أن القيادات نسيت أن هناك احتلالا في ظل قدرتها على التحرك بالتصاريح الخاصة في كل الأرض المحتلة، وباتوا يَزِنون الأمور على حسب مصلحتهم مع الاحتلال، ما يجري خطير ويؤسس لمرحلة دموية سيكون الرابح الوحيد فيها الاحتلال.
وأشار إلى أنه من غير المقبول استستهال الاعتداء على الطلاب في الجامعة، فهناك رغبة مقصودة في تمييع صناعة القادة الجدد للنضال، فاعتداء النجاح لا يستهدف الطلاب فحسب، بل المشروع الوطني بأكمله، فهي جامعة تخرج قادة وعلماء وشهداء.
وتساءل عساف: "من الذي منح أمن الجامعة حق رش الغاز في وجه الطالبات، وضرب وسحل الطلاب والاعتداء عليهم، ولماذا تم منحه هذا الحق، ولصالح من؟؟ هذه أسئلة تكشف لنا ما وراء الحدث".