يقبع الأسير المريض معتصم طالب داوود رداد (39 عاما)، منذ سنوات طويلة في ما يسمى عيادة "سجن الرملة"، والمعروفة بـ"مقبرة الأحياء" أو "المسلخ"، ويعاني من جحيم قيود الاحتلال وجحيم نقله بعربة "البوسطة" الحديدية للمستشفى، للخضوع لجلسات العلاج الكيمياوي في مستشفيات الاحتلال.
وبعد 17 عاماً على اعتقاله، يعد الأسير المصاب بسرطان الأمعاء معتصم رداد، من بلدة صيدا قضاء طولكرم، من الأسرى المرضى الأشدّ خطورة، والمهددين بفقدان حياتهم في أيّ لحظة نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد، الذي ينتهجه الاحتلال بحقه وبحق مئات الأسرى الفلسطينيين.
ويعاني مئات المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت التي عرضت فيه كتائب القسام، اليوم الثلاثاء، مشاهد للجندي الأسير هشام السيد ويبدو عليه المرض وعلى سرير العلاج موصولا بجهاز تنفس، والتي سبق أن أعلنت عن تدهور صحته.
الأسير المريض
واعتقل الاحتلال رداد عام 2002 وقضى 17شهرا، ثم اعتقل ثانية بتاريخ 12/01/2006 أثناء اشتباك مسلح في مدينة جنين حيث استشهد رفيقاه في حينه، وتعرض هو لأبشع انواع التحقيق الميداني بداية لعدة أيام وهو في البرد القارص، حيث كانت الشظايا تملأ جسده الطاهر والدم ينزف منه.
ولم يكن يعبأ الاحتلال بآلامه بل يستعذبها ويمعن فيها ضغطا وعنفا وشدة وقهرا، علما أنه ما زال يعاني من سياسة الإهمال الطبي والتعذيب النفسي بأشكال عدة كحرمان الأهل وخاصة الوالدة من الزيارة، أو النقل عبر البوسطة، أو المماطلة في تلقي العلاج في وقته مما يزيد من تعذيبه، إضافة لسوء التغذية، وانخفاض الوزن، لأقل من 55كغم.
وبدأت معاناة رداد، المحكوم بالسجن عشرين عاماً، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله بتهمة مقاومة الاحتلال، حيث اعتقل مصابا ينزف بشدّة جراء إصابته بالرصاص، رافق ذلك ارتفاع في ضغط الدم ودقات القلب وصعوبة بالتنفس، وتبعهما ظهور مشاكل لديه في الأعصاب والعظام، وضعف في النظر، كما بدأ يعاني من فقر في الدم.
وفي عام 2018، أصيب بفيروس في يديه وقدميه نتيجة ضعف المناعة لديه، ما تسبب بانتشار الحبوب والآلام الحادة في جسده.
وقالت عائلته إنها علمت صدفة بإصابة معتصم بالسرطان، من خلال رسالة وصلت إليها بالخطأ، كان معتصم قد أرسلها إلى هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية؛ يتحدث فيها عن طبيعة مرضه.
وأضافت: "كان معتصم كتوماً ويوصي رفاق الأسر بألا يخبروا أحداً بمرضه، خصوصاً أهله، خوفاً على أمه تحديداً".
رسالة معتصم
وفي رسالة خرجت من مقبرة الأحياء في سجن الرملة، قال الأسير معتصم رداد: "أريد أن أتعالج وأن اتلقى العلاج بطريقة تساعدني على تحسن وضعي الصحي أو على الأقل على استقراري والمحافظة على ما أنا عليه".
وأضاف رداد: "أنا ما زلت أعاني من نزيف شديد وآلام شديدة في البطن وفي العظام والمفاصل، وأيضا أعاني من الربو المزمن ومن الضغط المرتفع وعدم انتظام دقات القلب، وأمور كثيرة وأعراض جانبية أخرى".
ومنعت سلطات الاحتلال ومصلحة السجون الإسرائيلية أياً من أفراد العائلة من زيارة معتصم لسنوات عدة، وكانت أطول فترة مع انتشار فيروس كورونا، ووقف الاحتلال زيارات الأسرى من ذويهم أو محاميهم بشكل كلّي، ما زاد خوف العائلة على حياته.
وقالت والدته آمنة رداد إنها ذهبت في إحدى الزيارات لنجلها وصدمت من هول المشهد، حيث كان معتصم في حالة صعبة جداً، لم يعد يقوى على الوقوف".
وعبّرت الأم عن قلقها البالغ وبكل حزن على ولدها إنه خسر نحو 20 كيلوغراماً من وزنه و70 في المائة من أمعائه، وهو يموت في كلّ يوم ألف مرة.
ومع كلّ خبر يخرج من سجون الاحتلال عن ارتقاء أحد الأسرى شهيداً، تضع والدة معتصم، أم عاهد، يدها على قلبها، خوفا أن يكون الشهيد هو ولدها، قائلة: "الشهداء الأسرى بسام السايح، وسامي أبو دياك، وكمال أبو وعر، كانوا مع معتصم في المكان نفسه، ولا أحد يعلم من هو التالي".
ويعيش معتصم يومه على الأدوية التي تبقيه على قيد الحياة، كما أنّ الحالة النفسية للأسرى المرضى صعبة، خصوصاً أنّهم يفقدون في كلّ فترة واحداً منهم شهيداً، وزورا وبهتانا يمكن أن يطلق على سجن الرملة أنه عيادة.
ويقبع 16 أسيراً في ظروف مأساوية في سجن الرملة، من بينهم سبعة أسرى يقبعون بشكلٍ دائم منذ سنوات وبظروف صحيّة صعبة.
وبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال قرابة 700 أسير، من بينهم 300 يعانون من أمراض مزمنة، منهم عشرة أسرى يعانون من السرطان بدرجات متفاوتة..