توافق اليوم الذكرى السنوية السابعة والعشرين، على استشهاد أحد فرسان كتائب الشهيد عز الدين القسام الشهيد طاهر شحدة طه قفيشة، الذي ارتقى بعد صمود واشتباكٍ مسلح مع جيش الاحتلال دام أكثر من 12 ساعة.
نشأ وترعرع القسامي قفيشة في مدينة خليل الرحمن، وعُرف عنه تواضعه وحسن خلقه، وحبه الشديد للجهاد، فكان من أوائل فرسان حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ بداية انتفاضة الحجارة.
كان طاهر ينتظر باصات الاحتلال ودورياته العسكرية عبر شارع بئر السبع بعد المدرسة، ليمطرها بحجارته وتكبيراته، ولم يكن يعرف الكلل أو الملل، وكان حريصا على خوض أغلب المواجهات مع الاحتلال ليلا ونهارا، فقد كان لا يترك اللثام للحظة واحدة، بل يخفيه في ثيابه خوفا أن تضيع منه أي فرصة لمواجهة المحتل.
تميز شهيدنا بحماسه الشديد واندفاعه في البحث عن أي وسيلة لتطوير العمل الجهادي، بدءًا من الحجارة والزجاجات الفارغة والقنابل الصوتية والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى حمله البندقية المشروعة كخيار للتحرير وطرد المحتل.
ضمن أول مجموعة قسامية
كان قفيشة ضمن أول مجموعة قسامية جرى تشكيلها في مدينة الخليل، وتلقى تدريبه على يد القسامي عماد عقل وإخوانه.
تعرض الشهيد طاهر للاعتقال لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي مرات عدة، وتحديدا في الحملات التي شنها الاحتلال عام 1992، بعد سلسلة العمليات القسامية في تلك الفترة، وجرى تحويله للاعتقال الإداري ومن ثم للتحقيق.
وفي سجن الخليل انتقل إلى معتقل الظاهرية لاستكمال التحقيق ومواجهته بأفراد المجموعة، فكان يتوقع حكماً لا يزيد عن خمس سنوات، إلا أنه كان حمل بداخله جرحاً نازفاً وقلباً ملتهباً لا يطفئ ناره، إلا بالشهادة.
بدأ التخطيط لعملية هرب بطولية من السجن بصحبة المجاهد أمجد شبانة، والقائد جهاد غلمة حيث قطعوا الأسلاك الشائكة وغادروا القيد، لتبدأ أروع ملحمة بطولية يسطرها المجاهدون في خليل الرحمن طوال عامين كاملين من الجهاد والعمل المسلح.
وبعد أقل من ثلاثة شهور يفقد طاهر أحب وأقرب إخوانه إلى قلبه، الشهيد أمجد شبانة الذي ترجل بصحبة ثلاثة من أبطال القسام بعد محاصرتهم وقصف المنزل الذي آواهم.
عمليات بطولية
حمل جهاد وطاهر لواء المعركة فتكون العملية العسكرية الأولى ضد سيارة مغتصبين على طريق حلحول بالخليل، ينفذها طاهر بصحبة الشهيد عايد الأطرش، فيصيب ثلاثة مغتصبين صهاينة.
وفي تاريخ 17/5/1994م، ينطلق طاهر بصحبة جهاد غلمة في عملية تجاوز قرب مغتصبة (بيت حجاي) جنوب الخليل، فيقتل ثلاثة مغتصبين كانوا يستقلون سيارة في الساعة الثامنة والنصف صباحا.
وفي تاريخ 16/6/1994م، جهز شهيدنا بمشاركة القائد جهاد غلمة كمينا لمركبات العدو في شارع عين سارة، وفي وضح النهار يطلق شهيدنا النار نحو ثلاث مركبات تابعة لمخابرات العدو، ولم يعترف العدو حينها إلا بإصابة واحدة، رغم أن ما أطلقه المجاهدون زاد عن (250) طلقة.
بتاريخ 7/7/1994م تجاوز طاهر عن سيارة صهيونية قرب مغتصبة (كريات أربع)، فقُـتل أحد المغتصبين وأصيب أربعة آخرون.
عمل طاهر بصحبة جهاد على تدريب مجموعة من المجاهدين لتنفيذ عملية أسر على طريق الخليل/القدس بهدف تحرير إخوانه الأسرى في السجون، وكادت العملية أن تنجح لولا كثافة الجنود والمغتصبين في المنطقة وارتياب المغتصب المستهدف بأحد الإخوة الذي لم يتقن (اللغة العبرية) فقفز المغتصب من السيارة وعاد الإخوة إلى قاعدتهم بسلام بعد مطاردة طويلة من جيش العدو.
مطلع عام 1995م نصب كمينا لباص من المغتصبين في منطقة راس الجورة، اعترف العدو بمقتل اثنين وإصابة خمسة من المغتصبين، وفي جبل الرحمة ينصب كمينا لسيارة جيب عسكرية، لم يعترف العدو خلالها بإصابات وعلى طريق بيت كاحل غرب الخليل يهاجم مع جهاد غلمة جيباً عسكرياً، فيصيب ثلاثة جنود، إضافة إلى عشرات العمليات التي لم يعترف بها العدو ولم يُعرف عدد الإصابات.
بعد سلسلة من العمليات النوعية التي زلزلت العدو وأرعبت مغتصبيه، فرض الاحتلال حظر التجول ليلاً على مدينة الخليل، ومع ذلك كانت جميع الطرق معرضة لهجمات القساميين.
رحلة مطاردة شاقة
قام الاحتلال بتوزيع صور المطاردين على جميع الدوريات والحواجز العسكرية وأعوانه من العملاء، ورافق ذلك حملة تشويه واسعة ضد المجاهدين.
كانت رحلة المطاردة شاقة ومرهقة، وكم كان طاهر يتمنى الشهادة ويسأل الله أن لا تكون تحت الأنقاض، وتضيق عليه الدنيا بعد استشهاد أخيه ورفيق دربه (جهاد غلمة) ومن بعده حامد يغمور، لدرجة أنه في آخر لقاء جمعه بوالدته قال لها: "يا أم ادعي لي بالشهادة"، فتستغرب وتقول: "أنا أدعو الله أن يحفظك لتواصل مقاومة الاحتلال"، فيقول رحمه الله: "الآن عرفت لماذا يستشهد الجميع وأبقى وحيدا، يا أم لم أعد أحتمل وأريد الشهادة"، فتدعو الله أن يرزقه الشهادة.
التاسع والعشرين من يونيو 1995م، استيقظت خليل الرحمن على قوات العدو وآلياته تحاصر منزلاً وسط أرض زراعية في منطقة راس الجورة، قرب الشارع العام، ونداء مكبرات الصوت لتسليم طاهر نفسه، فيشهر مسدسه ويطلق رصاصه نحو رأس ضابط الوحدة ليصيبه بجراح خطيرة (يموت بعدها بثلاث سنوات).
صمد المجاهد لأكثر من (12) ساعة مفضلاً الشهادة على الاستسلام، ليرتقي بعدها شهيداً مشتبكاً، ويلتحق بمن سبقه من شهداء القسام الذين شاركهم الجهاد، عماد عقل وأمجد شبانة وأمجد أبو خلف وعايد الأطرش وإياد أبو حديد ومروان أبو ارميلة وجهاد غلمة وعادل الفلاح وعبد الصمد حريزات وأخيرا حامد يغمور.