توافق الذكرى السنوية السابعة عشر لاستشهاد القائد القسامي محمد يوسف عياش، من قرية رافات قرب سلفيت، وذلك متأثراً بجراح أصيب بها خلال عملية قصف صهيونية لموقع تحصن فيه ثلاثة من مجاهدي القسام هم محمد مرعي من قراوة بني حسان وسامر دواهقة من سلفيت، بتاريخ 15 تموز/ يوليو 2005.
ولد شهيدنا محمد في الأول من أيار/ مايو 1975 في قرية رفات مسقط رأس الشهيد المهندس يحيى عياش، وهو ابن عمه، ودرس محمد في مدارس قرية رافات وحصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة الزاوية القريبة من قريته.
اضطر محمد للانقطاع عن التعليم في الجامعة، ليساعد عائلته المكونة من 11 نفرا (7 أخوة وأختين) وأب وأم، حيث عمل في زخرفة الحجارة والأعمدة، ثم تعلم مهنة تصنيع الألمنيوم ليفتح ورشة خاصة به في قريته.
تزوج شهيدنا محمد في 19/8/2000م ورزق بابنه البكر، الذي أسماه براء تيمنا بابن عمه المهندس القائد الشهيد الفذ يحيى عياش، فيما أسمى طفلته عزيزة وهو اسم أمه.
الانضمام للقسام
بادر شهيدنا إلى الالتحاق بالعمل العسكري في صفوف كتائب القسام عام 1994، قبل أن يبلغ العشرين عاماً، وعمل مع ابن عمه المهندس الشهيد يحيى عياش، وعُرف عنه أنه كان معاونه وساعده الأيمن، حتى اعتقلته قوات الاحتلال بتاريخ 02/12/1994، ليمضي في السجن أربع سنوات.
وعُرف عن محمد أنه رجل تنظيمي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فلا يعرف الفرق بين السجن وخارجه للعمل في سبيل الله ونصرة دينه ودعوته، إلى جانب انضباطه اللامحدود وصلابته في التصدي للإدارات الصهيونية.
وقد حكمت عليه سلطات الاحتلال شهرين إضافيين لمحكوميته الأصلية، بعد قيامه بضرب أحد ضباط الاحتلال في سجن الفارعة، حين حاول التهكم على أحد إخوانه الأسرى.
عمل محمد في مجال الأمن وبموقع متقدم، وقد نقلت عنه في ذلك الوقت مقولة: "في العمل الأمني لا مجال للخطأ أبدا، هفوة بسيطة قد تؤجل مشروع دعوتك مئات السنين".. هكذا كان عاشقا لحماس جنديا في أجهزتها المجاهدة المختلفة ومقاتلا فذا في صفوف القسام.
شعلة لا تنطفيء
خرج محمد من سجنه شعلة لا تنطفيء، كان أشد شوقا للعمل وتحرقا للجهاد، لكن الإفراج عنه جاء في فترة ميدانية لا تسمح بمزاولة النشاط العسكري المكثف، فأخذ يعد العدة إلى أن تحين ساعة النفير الأكبر، ولنسميها ساعات الشهادةـ عاد محمد إلى قريته رافات بعد سجنه ليجد الصهاينة قد تغولوا عليها، وسجنوا كل من تعرف قدماه الطريق إلى مسجدها، لقد اتبعوا في حربهم على قرية المهندس يحيى عياش سياسة التدمير الكامل.
اعتقلوا كل شباب وأشبال حماس بمن فيهم من يلتزمون المسجد ويؤدون الصلاة فيه دون أن يكون لهم أي نشاط تنظيمي، ولم يجد محمد في هذا الحال ما يدفعه لليأس والإحباط، فعمل على إعادة ترتيب الحركة وتجميع صفوفها وكوادرها واستقطاب المزيد من العناصر لصفوفها حتى غدت أصلب عودا وأقوى بنيانا من ما كانت عليه.
ولم ينسَ محمد في غمرة انشغاله بالعمل التنظيمي واجبه الديني فأخذ على عاتقه مسؤولية تأسيس مركز تحفيظ القرآن الكريم في مسجد الشهيد يحيى عياش بالقرية، والذي خرج العشرات من الحفظة، ورغم المضايقات الكبيرة التي لاقاها ولعل أهمها قيام أجهزة السلطة بإغلاقه وتعطيل العمل فيه، والادعاء أنه غير شرعي لأن وزارة الأوقاف لا تشرف عليه، ومع ذلك مضى في سبيل الله عز وجل غير عابيء بما يفعلون.
لم يكن قد مضى على زواج شهيدنا من إحدى قريباته أكثر من شهرين، حين اندلعت انتفاضة الأقصى المبارك التي أدرك فيها أبو البراء أنه قد حان الوقت ليجني ثمار ما زرعه.
قاد فعاليات الانتفاضة
انخرط محمد في انتفاضة الأقصى في المجالين الجماهيري والعسكري، وقاد شباب حماس في مواجهة المحتلين، وتنفيذ الفعاليات الجماهيرية التي تدعو لها الحركة علناً، وبدأ يشكل الخلايا العسكرية التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام بشكل سري.
واكتشفت قوات الاحتلال أمره بعد استشهاد المهندس القسامي القائد إحسان شواهنة، ليبدأ رحلة المطاردة بتاريخ 04/07/2004، حين حضرت قوات الاحتلال إلى بيته بهدف اعتقاله، لكنه كان قد غادر البيت مع رفاقه القساميين، ليذوقوا الصهانية الموت الزؤام خلال سنة كاملة أمضاها شهيدنا ممتشقاً سلاحه، وواثقاً من رصاصه الذي لا يعرف الطريق إلا إلى صدور المحتلين.
داهمت قوات الاحتلال الخاصة منزل شهيدنا القائد القسامي أكثر من مرة، وهددت بقتله إن لم يسلم نفسه، ولكن عادت رافات إلى حيويتها التي عاشتها أيام المهندس القائد يحيى، من خلال ابن عمه محمد الذي اعتقل الصهاينة والده، وداهموا منزله عشرات المرات، وجندوا العيون الخائنة والأيدي السوداء لترابط حول بيته.
موعد الشهادة
كان شهيدنا على موعد مع الشهادة بعد قصف طائرات الاحتلال موقع تحصن فيه ثلاثة من مجاهدي كتائب القسام، هم محمد مرعي وسامر دواهقة من سلفيت.
وأبلغ الارتباط العسكري الصهيوني عائلة شهيدنا في الساعة الحادية عشر من صباح السبت 16 تموز/ يوليو 2005، أنه قد فارق الحياة متأثرا بالجراح التي أصيب بها خلال عملية قصف صهيونية لموقع تحصن فيه ثلاثة من مجاهدي القسام.
ويقول عدد من شهود العيان الذين حضروا الى مستشفى الطواريء في سلفيت أن الجريح محمد عياش وصل إلى هناك بحالة مستقرة، وأنه استيقظ من غيبوبته وطالب الجماهير المحتشدة بالإسراع لإنقاذ أخويه الشهيدان مرعي ودواهقة، ثم صاح مناديا "الله أكبر.. الله أكبر .. سلاحي سلاحي وغاب عن الوعي".
نقل محمد بعد ذلك الى مستشفى فلسطيني في رام الله, حيث اعترض جنود الاحتلال طريق سيارة الاسعاف التي كانت تقله الى هناك واختطفوه منها، ليعلنوا في اليوم التالي استشهاده حيث تتهمهم عائلة الشهيد بإعدامه أسيرا خاصة وأن وضعه الصحي كان مستقرا عندما اعتقل.
ويسلم جثمان الشهيد إلى أهله في رافات ليشيعه الآلاف من أهل القرية وقرى محافظة سلفيت وقلقيلية وطولكرم، حيث زف الشهيد في عرس لم يسبق له مثيل، قدر حضوره بالآلاف وليلحق شهيدنا محمد بابن عمه يحيى عياش، ولتحشر روحه مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وأكرم بها نزلا صحبة الأنبياء.