بين حين وآخر، تصدر في دولة الاحتلال تحذيرات من تراجع معدلات التجنيد في الخدمة العسكرية في صفوف الجيش، ما يضع علامات استفهام حول تأثير هذه الظاهرة على مدى جاهزية الجيش في التصدي للتهديدات القادمة، خاصة مع تنامي المخاطر الأمنية والعسكرية.
مع العلم أن تراجع معدلات تسجيل الشبان الإسرائيليين في سجلات الجيش، يتجاوز الفئات السكانية التي لا تلتزم بالعادة في الخدمة العسكرية، مثل فلسطينيي48، واليهود المتدينين، وذوي الاحتياجات الخاصة، بل إنه بات يصل إلى اليهود الأصحاء، الذين لا يمنعهم من الانخراط في صفوف الجيش سوى عدم قناعتهم بالحروب التي يخوضها من جانب، ورغبته في الاستمرار في الحياة دون إصابة أو إعاقة، وربما بسبب شعوره بأن العائد المادي لم يعد مجزياً، ويوازي الجهد المبذول في العمليات العسكرية.
وزير المخابرات السابق الجنرال إليعازر شتيرن، أكد في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "تراجع معدلات التجنيد في صفوف الجيش من شأنه أن يساهم بصورة سلبية في تآكل "الصمود الوطني" لدى الإسرائيليين، لأن الشبان الذين يفترض أن يكونوا في وحداتهم العسكرية من الواضح أنهم نسوا واجبهم، لأنهم يبذلون جهودا حثيثة للحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية، ولعل النظر إلى البيانات "المتواضعة" يكشف أننا أمام مشكلة حقيقية للجيش، ولا بد من إيجاد الحلول لها".
وأضاف أن "هذه الظاهرة المقلقة تستدعي من الجيش والجهات الأمنية البحث عن من يختارون التهرب من الخدمة العسكرية، لأنها هي الأساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال، ولأن التجنيد في صفوف الجيش يمثل تحديًا حقيقياً للمجتمع الإسرائيلي، قبل أن يصبح تحديًا للجيش الإسرائيلي بوقت طويل، ويعكس الانخفاض في الأرقام الماثلة الحاجة الملحة للتعريف من جديد بقيمة الخدمة العسكرية، لأنه في المستقبل ستكون إسرائيل في حاجة ماسة لهذه الأعداد من الجنود خلال السنوات القادمة".
ولا تعتبر ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال حديثة من نوعها، بل إنها قديمة، لكنها تتجدد عند خوض الاحتلال حروبا عسكرية، أو عندما يتجهز للانخراط في مواجهات أخرى جديدة، وقد شهدت العقود السبعة الماضية بروزا ملموسا لظاهرة الرافضين للخدمة العسكرية، ممن أبدى قسم كبير منهم عدم استعدادهم للخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة أو لبنان، وكان مصيرهم السجن لفترات مختلفة.
وبدأت تلك الظاهرة في الآونة الأخيرة تصدم الرأي العام الإسرائيلي بعد وصولها إلى الوحدات النخبوية، ولعل الظاهرة الجديدة في مجال رفض الخدمة هو اقتحامها المتسارع لـ"مركز" الخارطة السياسية الإسرائيلية، بعد أن بقيت على مدى عقود في الطرف اليساري، وبدأ هذا الاقتحام بإثارة الإرباك والقلق في محافل السلطات الإسرائيلية، التي سعت دائما إلى تطوير آليات لاحتواء الظاهرة، والتخفيف من آثارها، دون جدوى.
وكشفت القوى العاملة في الجيش أن 40% من الشباب الإسرائيليين لا ينهون الخدمة العسكرية، لأسباب مختلفة، فمنهم طلاب المدارس الدينية، ما يشجع الشاب على التطرف الديني، والذهاب إلى المدارس الدينية تهرباً من الخدمة، وآخرون لا يخدمون لأسباب نفسية، وفريق ثالث لا يخدمون لأسباب مرضية وعائلية، أو متواجدون خارج الدولة، مع أن الأسباب الأساسية في ظاهرة رفض الخدمة العسكرية تتركز في تراجع هيبة الجيش، والخوف من مواجهة المقاومة، وعبثية الصدام مع الفلسطينيين.
وفي تقرير آخر في ذات الصحيفة أعدته ليلك شوفيل، أن "العام الماضي شهد زيادة كبيرة في عدد الشبان الإسرائيليين المتهربين من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي".
وأوضحت أن المعلومات الرسمية الصادرة عن مكاتب التجنيد، تشير إلى أنه في 2020، تمكن ما يقرب من 2500 إلى 2400 من الشبان الإسرائيليين من الهروب من الخدمة الجيش الإسرائيلي، بينما زاد عدد الهاربين في 2021 ووصل لنحو 3100.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا توجد بيانات حتى الآن عن عدد الهاربين من الخدمة العسكرية فيما يتعلق بالعام الحالي الذي لم ينتهِ بعد، علما أن "هناك عدة عشرات من الشباب لم يقدموا تقارير في يوم تجنيدهم".
ونبهت الصحيفة إلى أن "جيش الاحتلال وبعد فترة شهدت زيادة كبيرة في عدد الشبان الحاصلين على إعفاءات من الخدمة العسكرية لأسباب تتعلق بالصحة العقلية، قررت إدارة الموارد البشرية اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتقليل المتسربين بسبب الصحة العقلية، ونتيجة لذلك من بين أمور أخرى، تم تشديد معايير الحصول على إعفاءات الصحة العقلية، واعتبارا من اليوم، إن التسريح العقلي من الخدمة أقل من 9 في المئة".
وأقام جيش الاحتلال قبل نحو عام وحدة "مجاشيم" ، حيث تقوم من بين أمور أخرى، بزيارة منازل الشباب الهاربين من الخدمة، من أجل إقناعهم، ويعمل الجيش على توسيع عمل تلك الوحدة.
كما تتواصل مكاتب التجنيد لدى جيش الاحتلال مع المتهربين من الخدمة، لمحاولة إحضارهم مقابل "صفقة" تقضي بمحو الجيش عنهم "جريمة التهرب"، بحسب الصحيفة التي لفتت أن الجيش وبالتعاون مع جهاز التعليم، يحاول تشجيع الشبان الإسرائيليين على الالتحاق بالخدمة العسكرية.
عربي21