قائد الطوفان قائد الطوفان

14 عاماً على استشهاد مهندس عملية ديمونا القسامي شهاب الدين النتشة

الرسالة نت-الخليل

توافق اليوم الذكرى السنوية الرابعة عشر على استشهاد مهندس عملية ديمونا البطولية القائد القسامي شهاب الدين عبد العزيز النتشة من مدينة الخليل، والذي استشهد بعد صمود أسطوري أمام جنود الاحتلال وجرافاته وعشرات القذائف وآلاف الرصاصات، وذلك في السابع والعشرين من تموز/ يوليو لعام 2008.

ولد الشهيد القائد شهاب الدين في السادس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 1983 في مدينة الخليل، التي تفخر بأنها أنجبل مثل هذا القائد الفذ والمقاتل الشرس.

ترعرع الشهيد بين أحضان أسرة مسلمة ملتزمة، ليكون منذ صغره ملتزما بمسجد الأنصار، الذي كان ناشطا فيه من ناحية الحلقات الدعوية والاعتكافات، وحتى كرة القدم، التي عرف عنه أنه من أبرز لاعبي فريق شباب مسجده.

التحق شهاب الدين في المرحلة الابتدائية والإعدادية بمدرسة الملك خالد، وانتقل بعدها ليدرس في المدرسة الصناعية في مدينة الخليل فرع الكهرباء، ونجح في الثانوية العامة، ثم انتقل للعمل في شركة لبيع الأدوات الصحية.

مقاومة منذ الصغر

رغم أنه لم يكن الأكبر بين أشقائه الثمانية، بل الثالث بين أربع أخوة وثلاث أخوات، لكنه كان جريئا ومغامرا لدرجة كبيرة فيقوم بما يخشى الآخرون القيام به في أي مكان وعنيدا على الحق ولا يرضى بأن يقع تحت الظلم ساعيا للحق وإحقاقه.

وكان منذ صغره منتميا لحركة المقاومة الإسلامية حماس، فعرف عنه نشاطه السياسي في الحي الذي يسكن فيه، ومقاومته للاحتلال بالمشاركة في فعاليات الانتفاضة الأولى رغم صغر سنه.

حتى أنه في إحدى المرات كان يحمل بندقيته البلاستيكية أمام منزل عائلته ويلهو بها، فبدأ جنود الاحتلال بملاحقته وهرب إلى المنزل، فاقتحمه الجنود بحثا عن ذلك المقاتل، الذي ظنوا أن بندقيته حقيقة وسرعان ما كشفوا غبائهم وخرجوا من المنزل.

لكن لم يدروا بأن هذا الطفل هو رجل قبل أن يكبر الرجال، فكان طيبا حنونا يحب خدمة الآخرين ولو كان ذلك على حساب وقته وعمله، وبسيطا جدا يحب المسجد والجلوس فيه أكثر مما يحب غرفته في المنزل، فكانت صلاة الفجر خطا أحمر لا يمكن أن يغيب عنها في مسجد الأنصار الذي ترعرع فيه.

يمتلك سرية كبيرة

اتصف شهيدنا القائد القسامي النتشة بالسرية والكتمان، أن قوات الاحتلال اعتقلته في شهر أيلول عام (2005م)، وخضع لتحقيق قاس لمدة ثلاثة أشهر في مركز المسكوبية الصهيوني، تعرض خلالها لكافة أنواع التعذيب، وخرج صامدا دون أن ينطق بكلمة وحكم عليه بالسجن عشرة أشهر.

حتى أن أهله ما زالوا يجهلون التهمة التي اعتقل عليها، سوى أنه ناشط في حماس، وعندما سألوه عن سبب فترة التحقيق الطويلة قال: "أخلصوا النية لله عزوجل واستعينوا بالسر والكتمان لقضاء حوائجكم".

كان مسامحاً ويحب لخير للجميع، وصاحب ابتسامة دائمة لا تفارقه أبداً، حتى ظلت معه عندما استشهد، رغم أن جسده الطاهر كان أشلاء ولم يبقى منه إلا القليل.

في الرابع من شهر شباط عام 2008 هز انفجار ضخم بلدة ديمونا المحتلة جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، نفذه الاستشهاديان القساميان محمد الحرباوي وشادي زغير من مدينة الخليل، واعترفت قوات الاحتلال بمصرع صهيونية تعمل عالمة ذرة وإصابة 23 آخرين.

مهندس دقيق جداً

بينما أثبتت الصور أن أربعة صهاينة على الأقل قتلوا نتيجة الانفجار، الذي أكد خبراء المتفجرات الصهاينة أن صانع الحزام هو مهندس دقيق جدا وناجح.

وليكتشف بعد ذلك أن الأيدي الطاهرة التي صنعت الحزام هي أيدي الشهيد القسامي القائد شهاب الدين النتشة، ووصف ضباط الاحتلال صنع الحزام بأنه من نوع متطور ويحدث انفجارا ضخما، كما أخبروا أشقائه الذين اعتقلوا لاحقا عندما بدأت رحلة مطاردته.

ويوم ارتقى الشهيدين زغير والحرباوي، بكى الشهيد القسامي بكاء شديدا لم يعهده أهله فيه قائلا: "رحمهم الله سبقونا إلى الجنة"، لكن ذويه ظنوا أنها كلمات شهاب الحنون الذي يتأثر من المواقف الإنسانية رغم صلابته.

ولم تمض أيام بعد العملية حتى غادر منزل عائلته بحجة الانتقال للعمل في مدينة رام الله لعدة أيام، وفي السادس عشر من شهر شباط اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة الشهيد وعاثت فيه خرابا وفسادا واعتقلت أشقائه لمدة ثمانية أيام، وأخبروهم بأن شهاب هو مطلوب وعليه تسليم نفسه لأنه مسؤول عن صنع الحزام الناسف لمنفذي عملية ديمونا.

حتى الأجهزة الأمنية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتقلت شقيقه لأكثر من شهر ونصف للسؤال عن شهاب ومحاولة اقناعه بأن يدلهم على مكان اختفائه، بحجة أنه كان ماهرا في صنع العبوات الناسفة كما جاء ذلك في تقرير للقناة الصهيونية العاشرة.

فشل الاحتلال

من هذا المنطلق كان فرح رئيس وزراء حكومة الاحتلال المجرم ايهود أولمرت، الذي افتتح جلسة حكومته الإرهابية بالإشادة بجهود قوات الاحتلال في اغتيال الشهيد النتشة.

وكان للتنسيق الأمني دور كبير في اغتيال الشهيد النتشة من خلال البحث والمطاردة التي كانت يعاني منها الشهيد من قبل أجهزة عباس والسؤال الدائم عنه، ومطاردة قوات الاحتلال له واقتحام منزل عائلته بشكل يومي.

ورغم ذلك فإن قوات الاحتلال فشلت مرات عدة في اعتقاله أو اغتياله بعد اقتحامها ومحاصرة عدة منازل وهدمها بالمدينة بحثا عنه لتعود تجر أذيال الخيبة والفشل، حتى حان موعد الشهادة فجر يوم السابع والعشرين من شهر تموز (2008م) بعد محاصرته في حي "شعب الملح" في مدينة الخليل داخل أحد المنازل قيد الإنشاء.

صمود سبق الشهادة

لم يتوقع جنود الاحتلال أن المقاتل الذي يتحصن داخل المنزل هو شرس وعنيد لدرجة أنه صمد أكثر من أحد عشر ساعة، أمام مئات الجنود والجرافات وعشرات القذائف وآلاف الرصاصات التي أطلقت باتجاهه، بينما هو كان بسلاحه وبعض العبوات يقاوم، حتى أنه أوقع عدة إصابات في صفوف جنود الاحتلال، كما هي اعترفت بذلك في صحفها العبرية

وأمام صموده أحضرت قوات الاحتلال والدته إلى المنزل للضغط عليه لتسليم نفسه لكنه رفض، ويقول شهود عيان بأنه كان يردد بين فترة وأخرى وبصوت عال ومتحد: "إن كنتم رجالا فادخلوا إلى المنزل نقاتل وجها لوجه ونرى من فينا الرجل".

وبعد هدم المنزل على الشهيد الذي وجد جسده أشلاء وسلاحه تحول لقطع، بعدما رافقه في سبعة أشهر من المطاردة التي عاش فيها متخفيا عن أعين الاحتلال وعملائه وأذنابه، وارتقى الشهيد ووجد بين أصابع يديه التي كانت أشلاء أوراق للقرآن الكريم الذي كان يقرأ منه عندما كان محاصرا في المنزل.

 

المصدر: حرية نيوز

البث المباشر