إطلاق المبادرات في الساحة الفلسطينية انعكاس لتعقيدات الأزمة السياسية في الحالة الفلسطينية، في المقابل المبادرات ظاهرة صحية تظهر حرص أصحابها على فكفكة تلك الأزمة والوصول بالمشروع الوطني إلى بر الأمان، ولا يعني عدم تبني وتطبيق المبادرات التي طرحت أنها فشلت، بل على العكس لقد تركت إرثاً يمكن الاعتماد عليه عند صياغة مبادرة جديدة، وصولاً إلى مبادرة يلتقطها الشارع الفلسطيني ويضغط على صانعي القرار لتنفيذها، لأن الركود في الحالة الفلسطينية لا يمكن أن يستمر طويلاً، وأن يبقى صمت الشارع إلى ما لا نهاية.
قبل عدة أيام أطلق د. ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية السابق في حركة فتح، مبادرته عبر تطبيق زوم جمعه بعدة شخصيات وطنية فلسطينية، وجوهر المبادرة يقوم على إصلاح النظام السياسي الفلسطيني بما يؤسس لتغيير حقيقي في ظل حالة الانحدار التي يمر بها المشروع الوطني الفلسطيني.
أشكر د. ناصر القدوة ومن شارك معه في صياغة المبادرة التي تعكس حرص الجميع على تحريك المياه الراكدة وإصلاح النظام السياسي في ظل حالة التيه التي يعيشها شعبنا.
سأتناول في هذا المقال قراءة تحليلية للمبادرة بما لها وما عليها وما يمكن أن يعترضها أو يفشلها، وما هي السيناريوهات المحتملة للتعاطي معها.
أولاً- جوهر المبادرة:
تقوم المبادرة على قاعدة دمقرطة النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته بما يؤسس لتغيير حقيقي داخل المشهد الفلسطيني في ظل تراجع المشروع الوطني، عبر تشكيل هيئة وطنية تعمل من أجل تحقيق ذلك خلال فترة زمنية محددة.
ثانياً- أبرز التحديات التي تعصف بالمبادرة:
مجموعة من التحديات تقف أمام قبول وتطبيق مبادرة د. ناصر القدوة، أهمها:
متعلق بهوية مطلق المبادرة، وهو الدكتور ناصر القدوة الذي لا يمكن أن يقبل الرئيس محمود عباس مبادرته وهو من حرض على فصله من اللجنة المركزية.
المجموعة النخبوية التي أطلقت المبادرة لا تمتلك القدرة على التغيير، فلا قاعدة جماهيرية عريضة تستطيع تحريكها للضغط على أطراف المعادلة الفلسطينية، ولا قوة عسكرية لحسم المشهد، في ظل حالة الاستقطاب الحاد بين حركتي فتح وحماس.
تشكيل هيئة قيادية في الوقت الذي أفشل الرئيس محمود عباس ما تم التوافق عليه سابقاً من تشكيل إطار قيادي مؤقت لم يجتمع سوى مرة واحدة، ولم يطبق مخرجات تلك الجلسة اليتيمة.
فكرة تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية هي فكرة حالمة تم تجريبها من طرف حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م وتشكيلها للحكومة العاشرة، والتي شكلت حاضنة للمقاومة بكل أشكالها، ولكن أطرافا عديدة محلية وإسرائيلية وإقليمية ودولية فرضت حصاراً متعدد الأشكال على قطاع غزة أثر سلبياً في كل مناحي الحياة.
ثالثاً- السيناريوهات المحتملة في التعاطي مع المبادرة:
توجد ثلاثة سيناريوهات محتملة للتعاطي مع مبادرة ناصر القدوة وهي:
الأول: سيناريو التجاهل من الأطراف الأساسية
جرت العادة أن يكون هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً ويتمثل في عدم التفات الرئيس عباس وحركة فتح إلى المبادرة وكأنها لم تكن، في المقابل موقف إيجابي من حركة حماس مع دعوة للحوار في عمق المبادرة، وضمن هذه المعادلة تسقط المبادرة وتتم أرشفتها في رفوف مكتبة المصالحة وإصلاح النظام السياسي.
الثاني: سيناريو التقاط فصائل المقاومة للمبادرة
ضمن هذا السيناريو تصدر فصائل المقاومة موقفاً موحداً مرحباً بالمبادرة، على قاعدة تشكيل جبهة عريضة قادرة على اتخاذ إجراءات ضاغطة على الرئيس عباس وفريقه.
الثالث: سيناريو قبول المبادرة والعمل على تطبيقها
قد يكون الأضعف من بين السيناريوهات وذلك لأسباب عديدة ذكرت في المقال، ولكن يبقى الأمل في قبولها قائماً، ولكن هذا يتطلب أن تدعم المبادرة داخلياً وخارجياً.