هل تنجح المبادرات الوطنية في تعويض السنوات العجاف؟

رئيس السلطة محمود عباس  وناصر حنا
رئيس السلطة محمود عباس وناصر حنا

غزة – خاص الرسالة نت

منذ 17 عاماً، يحتكر رئيس السلطة محمود عباس كرسي الرئاسة الفلسطينية دون إجراء انتخابات يختار الشعب فيها قيادته بإرادته، فدب اليأس في قلوب المواطنين طيلة تلك السنوات من إمكانية تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وصفت تلك السنوات بالسيئة في تاريخ الفلسطينيين، رغم محاولات النشطاء والقادة السياسيين تقديم مبادرات وطنية للخروج من مأزق الحالة الفلسطينية الراهنة لتحسين الوضع السياسي، لكن دوما تبوء بالفشل بسبب موقف السلطة والداعمين لها.

مؤخرا، وقّع قرابة 600 شخصية سياسية وأكاديمية وشبابية في الضفة والقطاع والخارج على مبادرة وطنية تنادي بضرورة إجراء انتخابات شاملة لكل النظام السياسي الفلسطيني، وجاءت في ظل حالة الاحتقان القائمة التي تنذر بانفجار أمني سيكون له نتائج كارثية تهدد المصير والوجود الفلسطيني برمته، سيما وأنّها تترافق مع التحركات النقابية المهنية للمعلمين والمحامين والمهندسين وغيرها في الضفة المحتلة.

ويلجأ النشطاء والقادة السياسيون لاقتراح تلك المبادرات كونها ضرورة لخلق حالة شعبية ضاغطة للنزول إلى الشارع في الضفة المحتلة للمطالبة بإجراء انتخابات شاملة للنظام السياسي.

يقول سليمان بشارات المحلل السياسي "للرسالة نت" إن الحديث عن أية مبادرة وطنية سواء لإجراء انتخابات أو للمصالحة يتطلب أن ترتكز على مجموعة أسس:

أولا: مقبولية المبادرة من حيث مطالبها ومضامينها، والأطراف التي تطرحها، فالمبادرة الحالية قدمها القدوة، ورغم مكانته السياسية، إلا أنه ما زال لا يمثل شريحة واسعة مجتمعيا أو نخبويا أو حزبيا، أضف إلى ذلك هل هناك تقبل من الأطراف الرئيسية، وبالتحديد من السلطة الفلسطينية وحركة فتح؟ باعتقادي لا يوجد تقبل، لعدم وجود قناعة بضرورة عقد انتخابات في الوقت الحالي من جانب، ومن جانب آخر خوف فتح أن تخسر الكثير في حال إجراء مثل هذه الانتخابات، وبالتالي حركة فتح والسلطة الفلسطينية غير مهيأة لتقبل مثل هذا الطرح.

ثانياً: قوة الإقناع أو التسويق للمبادرة، وهو عامل مهم، ويتوجب أن يصدر عن أطراف تمتلك هذه القوة، سواء كحزب سياسي له امتداد جماهيري، أو له تأثير سياسي، وللأسف هذان المرتكزان غير متوفرين في المبادرة الحالية.

ثالثا: الظروف السياسية المحلية والإقليمية والدولية جميعها غير معنية بالذهاب إلى إعادة بناء الموقف الفلسطيني موحدا، وغير معنية بإجراء انتخابات في الحالة الفلسطينية، ودليل ذلك عدم وجود مطالب أمريكية أو أوروبية باعتبار أن الاتحاد الأوروبي كان هو دوما من يضغط بهذا الاتجاه، بالتالي لن يكفي أن تكون هناك مبادرة وطنية تدعو لهذه الخطوة، بل يجب أن يكون هناك تقاطع مع باقي الفاعلين السياسيين تجاه القضية الفلسطينية.

رابعا: الاحتلال وعراقيله وعقباته، وهذه أيضا مهمة، فالاحتلال لن يسمح بالذهاب إلى نقطة توافق وطني فلسطيني، أو مرحلة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق الانتخابات أو التوافق، لأن ذلك سوف يعيق تنفيذ مخططات التهويد والاستيطان (الإسرائيلية).

ويؤكد بشارات أن الأسباب السابقة قد لن تمكن المبادرة من الوصول إلى ساحة التطبيق، وهذا الأمر ليس بنظرة سلبية بل بواقعية، لكن رغم ذلك، تبقى وغيرها من المبادرات مهمة أيضا، وأهميتها تنبع من:

-      محاولات نخبوية وشعبية بهدف الضغط على صانع القرار السياسي الفلسطيني لعدم الاستمرار في حالة التفرد باتخاذ القرار.

-      تذكير لصانع القرار بضرورة تصويب الواقع وأن الاستمرارية بهذا الاتجاه من شأنها إضافة مزيد من التدهور السياسي والمجتمعي.

-      الضغط على الأطراف الدولية والإقليمية من خلال هذه التحركات وهذه المطالب بهدف تغيير مواقفها.

وفي ذات السياق يتفق ساري عرابي الكاتب السياسي مع سابقه القول، ويؤكد أن المبادرات الوطنية التي تطرح بشكل مستمر قوية نظريا لكن على ارض الواقع غير مجدية بسبب رفض السلطة التي تحكم على أرض الواقع لها.

وذكر عرابي "للرسالة نت" أن العام الماضي كانت هناك مبادرة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية والجميع تهيأ لها، لكن سرعان ما ألغتها السلطة بحجة رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس، مؤكدا أن السلطة والاحتلال على حد سواء يرفضون إجراء تلك الانتخابات ويعملون على عرقلتها للحيلولة دون تنفيذها.

ويرجع الكاتب السياسي طرح العديد من المبادرات الوطنية إلى ضرورة الخروج من الحالة الفلسطينية والبحث عن مخرج لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، لافتا إلى أن القوى الوطنية تبحث عن حلول لتقدمها للشارع الفلسطيني، لكن يبقى التساؤل "هل يمتلكون أدوات ضغط حقيقية على السلطة الفلسطينية؟".

ويؤكد عرابي أن المشكلة ليست في المبادرات الوطنية المطروحة بل في المسار السياسي الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هنا، لذا سيبقى الفلسطينيون يعانون حتى يجدوا أدوات ضغط لتغيير السلطة.

البث المباشر