بينما تبيع سلطة محمود عباس وحكومة محمد اشتية مواقف وطنية لا رصيد لها على الواقع تحت عنوان الانفكاك الاقتصادي مع الاحتلال (الإسرائيلي)، فإنها تغرق مجددا في أحضان المؤسسات الداعمة لما يسمى بـ"السلام الاقتصادي"، وتفتح قنوات مالية سرية مع الاحتلال.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها "الرسالة" من مصادر مطلعة، فإن مؤسسة بريطانية ويديرها شخص يهودي تعمل على تغذية مشروع الاحتلال "السلام الاقتصادي"، من خلال تعاون ثلاثي وثيق بين السلطة والاحتلال وتلك المؤسسة التي تقع قرب المقاطعة في رام الله، من خلال رفع مستوى التعاون الاقتصادي والاستثمار المتبادل بين رجال أعمال فلسطينيين و(إسرائيليين).
ويتضح أن السلطة لم تكتفِ بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، بإصرارها على توسيع مجال التنسيق ليشمل الاقتصاد والمال، وفي هذه المرة من خلال مؤسسة "بورتلاند ترست" التي تعمل في مدينة رام الله وتختص بالترويج "للسلام الاقتصادي" والعمل المتبادل بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين) بحجة تحقيق تنمية اقتصادية.
وتأتي هذه الفضيحة بعد أسبوعين على ما كشفته صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، في تحقيق صحفي، عن وجود صندوق سري في وزارة المالية (الإسرائيلية)، مخصص لتحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، مؤكدةً أن "قرضًا بـ100 مليون شيقل (28 مليون دولار أمريكي) منحه الصندوق السري لصالح السلطة الفلسطينية قبل عدة أشهر".
ويأتي الكشف عن الصندوق السري، بالتزامن مع تصريح وزير التعاون الإقليمي في حكومة العدو عيساوي فريج، إنه سيلتقي خلال الأيام القريبة وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي، من أجل ترتيب موعد رسمي لعقد القمة الاقتصادية JEC، بعد تعطيل مستمر منذ عام 2009.
وزعم الوزير فريج أن القمة من شأنها أن تساهم في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال تقديم تسهيلات (حقوق مسلوبة) في مجالات عدة، أبرزها إعطاء تصاريح دخول للعمال الفلسطينيين وتسهيلات أخرى في مجال التجارة عبر الحدود إلى جانب قضايا أخرى اقتصادية.
ووفقا للمعلومات المتوافرة عن مؤسسة "بورتلاند ترست" فإنها مؤسسة بريطانية أسست عام 2003 غير هادفة للربح، وتدعي أنها تسعى لتعزيز السلام والاستقرار بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين من خلال التنمية الاقتصادية، وتعمل مع مجموعة من الشركاء للمساعدة في تطوير القطاع الخاص الفلسطيني وتخفيف حدة الفقر من خلال ريادة الأعمال في (إسرائيل).
وفي يونيو 2005 افتتح صندوق بورتلاند ترست مكتبا في "تل أبيب"، وفي نيسان 2006 تم افتتاح مكتب في رام الله، قائلا في رسالة الافتتاح: "دور مهم للاقتصاد في حل الصراع في الشرق الأوسط. إنه عنصر حاسم إلى جانب تحسين الأمن والعملية السياسية لتحقيق سلام مستدام وطويل الأمد".
ووفق المصادر التي تحدثت لـ"الرسالة" فإن لدى المؤسسة ترخيص رسمي وتعمل بكل أريحية منذ سنوات، في حين أن موقعها ليس بعيدا عن مقر قيادة السلطة "المقاطعة" برام الله، وتم افتتاح مكتبها بحضور محمد مصطفى، المستشار الاقتصادي للرئيس محمود عباس ومدير عام صندوق الاستثمار الفلسطيني، في حين أنه -حسب خطة اقتصادية لحكومة الاحتلال- فإن مؤسسة "بورتلاند ترست" لها مساهمة فيها بهدف زيادة التواصل بين رجال الأعمال الفلسطينيين و(الإسرائيليين).
ويتبين أيضاً من خلال المعلومات التي اطلعنا عليها أنه برعاية "بورتلاند ترست" ووزارة التعاون الإقليمي لدى الاحتلال، فإن هناك مجموعة من الشركات والهيئات الفلسطينية التي يمكن لرجال الأعمال (الإسرائيليين) التوجه لها من أجل بناء علاقات اقتصادية وطيدة بسهولة، من بينها مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد".
وفي تقرير نشرته "بورتلاند ترست" اتضح أنها تدرس الأسس الاقتصادية لـ"السلام" بين الاحتلال والفلسطينيين، مع التركيز بشكل خاص على دور القطاع الخاص وتقدير التأثير الكمي لـ"السلام" على الاقتصاد.
ورغم أن المؤسسة تعرّف نفسها كراعية لفكرة "السلام الاقتصادي"، ووجود تقارير وخطط حكومية (إسرائيلية) تصنفها كشريك ومساهم في تكريس الفكرة، إلا أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمؤسسة تبدو وثيقة، وهذا ما يظهر موثقاً بالمواد المصورة لعدة فعاليات واجتماعيات شاركت فيها "بورتلاند ترست".
ففي 15 مايو الماضي، شارك محافظ سلطة النقد فراس ملحم نيابة عن رئيس الوزراء محمد اشتية، في افتتاح مكتب لبنك الاستثمار الأوروبي وتوقيع اتفاقية قرض بقيمة 192 مليون دولار، فيما عقد البنك بالتعاون مع الحكومة حلقة نقاش بمشاركة وزير الاقتصاد خالد العسيلي، وهاشم الشوا رئيس مجلس إدارة بنك فلسطين، وسمير حليلة رئيس مجلس إدارة "بورتلاند ترست".
ويتضح أيضا أن لـ"بورتلاند ترست" علاقة مع صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يديره مستشار الرئيس محمد مصطفى، وتزعم المؤسسة أنها أطلقت تسهيلات بملايين الدولارات كقروض للفلسطينيين بالشراكة مع الصندوق.
وفي شباط الماضي، بحثت رئيس سلطة جودة البيئة نسرين التميمي، مع الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بورتلاند ترست" في بريطانيا بارون فرانكل، آفاق التعاون المشترك وتعزيز العمل. بينما شدد فرانكل على أهمية تعزيز آفاق الشراكة بين المؤسسة وسلطة جودة البيئة، لما له من دور في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عن الاجتماع.