قائد الطوفان قائد الطوفان

هدم البيوت.. سياسة الاحتلال لقتل ذكريات الغزيين

غزة– مها شهوان

البيوت هي السكن والسكينة والاستقرار للإنسان الطبيعي، لكنها بالنسبة للفلسطينيين منذ 1948 لم تعد حافظة الأسرار والذكريات، بل تمثل بيتا مؤقتا قد ينسف في أي لحظة ليتحول بحجارته التي تحمل قصصا ومواقف عاشها أصحابه إلى ركام.

لم تكن سياسة العصابات الصهيونية تتركز على سرقة الأراضي الفلسطينية فقط، بل وهدم بيوتهم لزعزعة استقرارهم وتهجيرهم من البلاد، فمنذ ذلك الوقت بدأت علاقة الفلسطيني بالسكن تختلف، فالهجرة التي خلفتها النكبة آنذاك قلبت موازين معتقداته، فأصبح البيت البسيط الذي ورثه عن أجداده يغادره قسرا تاركا ذكريات محفورة بكل حجر وشبر أرض.

ورغم مضي 74 عاما على التهجير، لايزال الاحتلال (الإسرائيلي) يحاول إبعاد الفلسطيني عن مسكنه بطرق مختلفة ما بين "نسف وهدم وتهجير"، وكل طريقة حسب الموقع الجغرافي للبلاد.

ومنذ رحيل الفلسطيني عن مسكنه في البلدات والقرى المحتلة لا يزال يرفض التملك في مكان اخر، فهو يعيش متنقلا من بيت لبيت ومن مدينة لأخرى ومفتاح بيته في بلدته المهجرة يحفظه في جيبه.

منذ احتلال قطاع غزة، تستهدف (إسرائيل) السكان عبر زعزعة أمنهم واستقرارهم، فمنذ عقود وهي تطاردهم بالنسف والقصف والتدمير لتحرمهم الحق في المسكن.

وخلال سنوات الاحتلال الطويلة، تنقل الغزي بين الخيمة والبيت والبرج، فلم يهنأ بالاستقرار في بيت ورثه عن أجداده، حتى تأتي طائرات الاحتلال لتقصفه ودوما بحجج مختلفة.

بداية الانتفاضة الأولى درج مصطلح "نسف" حين كانت تقتحم الجرافات العسكرية الأحياء السكنية وتنسف البيت بحجة وجود شخص مطلوب، أو نفذ عملية بطولية.

أما في الانتفاضة الثانية تغير المصطلح فبات "قصف البيوت" بالطائرات الحربية وأيضا لعدة أسباب منها قرب المسكن من المناطق الحدودية المحاذية لأعمال المقاومة، أو لأن أحد أفراده مطلوب، وتدرج الأمر مع كل عدوان تشنه (إسرائيل) على قطاع غزة.

****النساء يعشن في قلق

في المعركة العسكرية الأخيرة على قطاع غزة دمرت البيوت، فلم يهنأ عريس جديد ببيته المثقل بالأقساط بعد حولته صواريخ الاحتلال إلى ركام، عدا عن بيوت وسط المدينة التي تناثرت أحجارها على الأسفلت، بينما بيوت المخيم لها حكايتها.

في مخيم الشعوت بمدينة رفح جنوب القطاع، وضمن عملية اغتيال تستهدف قيادات الجهاد الإسلامي، قذفت الطائرات الحربية صواريخ تطايرت فيها أسقف بيوت المخيم، فتحولت إلى ركام يرقد تحتها أكثر من أربعين مصابا، و8 شهداء.

الوصول إلى الشهداء والجرحى تحت أنقاض البيوت المدمرة في مخيم الشعوت ليس سهلا، خاصة وأن أزقته الضيقة تمنع وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني من انتشال الضحايا، ما دفع المواطن أشرف القيسي للسماح لهم بهدم بيته البسيط لانتشال جثث جيرانه الذي وصفهم بالأغلى عليه من بيته حين قال "فديت بيتي حتى ينقذوا أرواحهم".

وذكر القيسي وقت هدم بيته بأنه كان عائقا أمام دخول الجرافات لإزالة الأنقاض، وحين طلب منه لم يتردد، معلقا" بيتي ليس أغلى من الأرواح، كما أن المنطقة كلها دُمّرت بالكامل، فليس لدينا ما نخسره في هذا الموقف".

ولا توحد إحصائية دقيقة بعدد البيوت التي قصفت فقد تجاوزت المئات، لذا في السنوات الأخيرة لجأ العشرات من السكان الى حيل أخرى لتأمين أنفسهم في بيوت علها تحفظ ذكرياتهم وتفاصيل حياتهم فهربوا إلى الأبراج السكنية، ظنا منهم أن (إسرائيل) لن تطاردهم فيها، لكن ما حدث كان العكس حيث كانت الأبراج صيدا ثمينا للاحتلال لإشباع رغبته في التدمير فتعمد قصفها وتشريد من فيها.

والأكثر تضررا وتشتتا في تلك الحوادث هن النساء اللواتي لم يعدن ينعمن بالاستقرار، فبدلا من أن يكون البيت هو المأوى أصبح لديهن هاجس بأنه في أي لحظة سيتحول إلى كومة حجارة، بالإضافة إلى أنهن طيلة أيام التصعيد العسكري يعشن حالة قلق وترقب لدرجة أنهن ينمن بثيابهن العادية بعد الإخطار بهدم منازلهن، خوفا من اقتحام المنزل على حين غرة، ما يجعل المرأة في حالة من عدم الاستقرار النفسي الدائم.

لم تنته المعاناة، فالغزي يدرك أنه في أية لحظة قد يتدمر البيت الذي يؤسسه حجرا حجرا، فبات لا يستطيع أن ينسج ذكريات ومواقف في مسكنه الجديد إلا وتحوله (إسرائيل) الى ركام.

البث المباشر