لا يزال الاحتلال (الإسرائيلي) يعاني من ارتدادات معركة سيف القدس التي خاضتها حركة حماس وفصائل المقاومة للدفاع عن القدس، في مايو 2021، حيث شاهد الجميع كسر معادلات الردع وتوازن الرعب مع الاحتلال، ووحدت الساحات الفلسطينية كافة.
ويظهر توازن الرعب واستمرار نشاط حالة الردع، من تخوف الاحتلال من دخول حركة حماس في المواجهة العسكرية الأخيرة، لما تمثله من ثقل عسكري واستخباري، يمكّنها من قلب الطاولة، إلا أنها وفرت غطاءً كافيا لعمل الأذرع العسكرية، التي تحتضنها جميعا في كنف غرفة العمليات المشتركة.
وحتى يومنا هذا، يواصل الاحتلال الكشف عن أوجه القصور والفشل الذي أصابه وأصاب جيشه خلال معركة سيف القدس، والتي أظهرت فشل خططه العسكرية، ومخططاته لفصل الساحات عن بعضها، وإخماد جذوة الوطنية في الداخل، وإنهاء حالة المقاومة في الضفة.
وعملت حماس ومعها فصائل المقاومة على تحقيق إنجازات استراتيجية خلال "سيف القدس" كان أبرزها توحيد الساحات، من خلال ربط غزة بالقدس، من ثم بالضفة الغربية المحتلة، وصولا إلى مدن الداخل المحتل التي انتفضت للمرة الأولى بهذا الشكل والحجم، عدا عن كافة مخيمات الشتات.
أبرز الإنجازات
ولم يشعر الاحتلال بقلق على مصيره وبقائه على هذه الأرض في أي وقت كما شعر في معركة سيف القدس، حينما انفلتت الأوضاع الأمنية في الداخل المحتل، في حين استمرت حماس والفصائل في قصف كل المدن الفلسطينية المحتلة من الجنوب وحتى الشمال بمئات الصواريخ لمدة 11 يوما.
وعلى صعيد الضفة الغربية أبرقت معركة سيف القدس بشحنة من الدعم المعنوي والمادي إلى شباب الضفة الذين حملوا السلاح، وتصدوا لكل محاولات اقتحام المدن والمخيمات، دون قدرة سلطة حركة فتح على ضبط الحالة والمشهد بما يخدم علاقتها مع الاحتلال.
ويكتب لسيف القدس أنها أسقطت نظرية العدو العسكرية التي من مبادئها الردع، والحسم، والتفوق الاستخباري والإنذار المبكر، والدفاع، من خلال تكتيكات مختلفة استخدمتها المقاومة خلال المعركة.
ويحسب أن المعركة أظهرت حركة حماس والمقاومة في غزة كقوة إقليمية، باعتراف الأصدقاء والخصوم، فيما ظهرت المقاومة كقيادة حقيقية للشعب الفلسطيني لما أظهرته من شجاعة وقدرة وحكمة، فلم يقتصر ذلك على الإدارة العسكرية للمعركة، بل استطاعت إدارة المدنيين في أعقد ظروف وأسوأ واقع.
وفي الجانب الأمني، استطاعت المقاومة تحييد العملاء من خلال المنظومة الأمنية الحكومية، وكذلك أمن حماس بشقيه المدني والعسكري، فيما تفوقت المقاومة على العدو في المصداقية، ما أتاح الفرصة لتسويق الرواية الفلسطينية في مقابل رواية العدو.
كما أحيت المقاومة في هذه المعركة أمل التحرير في نفوس الأمة، ما مكنها من حجز مقعد أساسي للحركة والمقاومة على طاولة قيادة الإقليم، وهذا ما ظهر جليا في اللقاءات التي عقدها رئيس حركة حماس في الآونة الأخيرة، لا سيما في الجزائر، باعتباره شخصية مهمة عربيا وفلسطينيا، تجلس في مقدمة الصفوف.
توحيد الساحات
وفي تلك المعركة، أعلنت حماس ومعها الفصائل أن سلاحها هو سلاح الشعب، يتحرك وقتما احتاجه، وحينما استشعر الفلسطينيون بذلك، أسقطوا القيود الفاصلة بين ال- 48 وال- 67 وبين القدس والضفة وبينهم وبين غزة، فهي المرة الأولى التي يتوحد فيها الشعب الفلسطيني في معركة واحدة دعما للمقاومة المسلحة لحماية الأقصى واستعادة القضية، ليتجسد المعنى الحقيقي لـ"وحدة الساحات".
كما زادت المعركة وتداعياتها من جرأة محور القدس في مواجهة العدو والرد على عدوانه، وتطوير قواعد الاشتباك معه، وعززت التنسيق والتعاون المشترك بين قوى المقاومة في المنطقة، الأمر الذي قد يمهد لمعركة متعددة الجبهات، ستحرم العدو ميزة القتال على جبهة واحدة، ما قد يؤدي إلى هزيمة استراتيجية له.
وعلى صعيد الإقليم، عزلت تحولات ما بعد معركة "سيف القدس" دول التطبيع وأتباع مسارَي التسوية "والاتفاقات الابراهيمية"، وأحرجتها أمام شعوبها، وكشفت ضعف الاحتلال وعجزه عن حماية كيانه عوضاً عن حماية غيره.
ومما يجب ذكره أن قيادة حركة حماس أعلنتها منذ أن وضعت الحرب أوزارها بأن ما قبل سيف القدس ليس كما بعدها، وهذا ما يؤكده الوضع الجديد الذي باتت تحظى به المقاومة في الآونة الأخيرة، على كافة الأصعدة.
ولا يزال الاحتلال يحاول الاستفادة من استخلاصات الأحداث خلال المعركة، بعد أن سجلها في صفحات خيبته، بعد الفشل الأمني والعسكري والاستخباري والنفسي والإعلامي الذي مني به في مواجهة استعدادات حركة حماس والفصائل خلال سيف القدس.