بينما كان أحمد هريش يصرخ ألما من تعذيب مخابرات السلطة في سجن أريحا، كان مولوده البكر يطلق صرخته الأولى من مستشفى الولادة برام الله، إلا أن السلطة أصرت على حرمان الأب من تلك اللحظات.
نزل كرم أحمد هريش إلى الدنيا مظلومًا، فظلم ذوي القربى أشد مضاضةً، فكيف إن كان الظلم لمولود، كتبت عليه السلطة ألا يؤذن والده في أذنه، وألا يحظى بحضن أبيه، في أولى لحظاته على هذه الدنيا؟!
في أحلك شهور الحمل التي تسبق الميلاد، اختطفت السلطة أحمد من بين أهله، مطلع يونيو الماضي، ليترك زوجته تجابه ألم المخاض دونه. رغم جموع الأهل حولها، إلا أنها كانت تبحث عن وجه أحمد مع كل دقيقة ألم وفق ما تقول الزوجة فاطمة زلوم في حديثها لـ"الرسالة نت".
اقرأ أيضًا .. سجون السلطة تُغيب المعتقل السياسي أحمد هريش عن مولوده الأول "كرم"
وتوضح زلوم أنها توقعت حضور أحمد لحظة دخولها المشفى، أو عند الوصول إلى غرفة الولادة، أو على الأقل عندما يخرج كرم للدنيا، إلا أن ذلك كان محض سراب، فلا أحمد حضر، ولا كرم سمع صوت أبيه.
حلم أحمد بقدوم كرم منذ زمن، حينما شاهد الرقم 13 في منامه، وبالفعل أصبح كرم الحفيد الثالث عشر لعائلته، إلا أن الحلم لم يكتمل بقرار من مخابرات السلطة، التي عذبت أحمد منذ اللحظة الأولى لاختطافه وحتى يومنا هذا.
ووفقا لمجموعة "محامون من أجل العدالة" فإن أجهزة أمن السلطة اختطفت المواطن أحمد هريش من سيارته في 7 يونيو الماضي، ونقتله إلى أقسام التعذيب في سجن أريحا، حيث أكد خلال جلسات محاكمته أنه تعرض لصنوف شديدة من التعذيب والإهانة في محاولة لسحب اعترافات منه تمس بسمعته الوطنية والعائلية.
نوح هريش جد الطفل اضطر للأذان في أذن حفيده الجديد الذي حضر بينما غاب والده في زنازين السلطة، "لو كانت تلك زنازين الاحتلال لكان أهون ألف مرة"، وفق ما يقول والد المعتقل السياسي أحمد.
كلما حضر أحد للتهنئة بقدوم كرم، تكاد لا تسمع كلمة "ألف مبارك" بقدر ما تسمع دعوات "حسبنا ونعم الوكيل على الظالمين" تهز أركان المستشفى، لتصل إلى آذان المُعّذبِين لأحمد ومولوده وزوجته، وأهله، وكل من في قلبه ذرة إنسانية.
ويشير والد أحمد إلى أن الظروف النفسية لزوجة ابنه كانت سيئة للغاية منذ اختطافه من أمن السلطة وحتى موعد الولادة، وهو ما أثر سلبا على وضعها الصحي وكذلك صحة مولودها، الذي تعرض لخطر نقص الماء قبل الولادة.
قد يكون أحمد الآن في جولة جديدة من التعذيب والشبح على يد أبناء جلدته، وعقله يتعذب بالتفكير في زوجته ومولوده، الذي لا يعلم أنه حضر بصحة وسلام.
وتختم زوجة أحمد بقولها: "بدي أحمد يروح، يجي يشوفني ويشوف ابنه، اللي خططنا كثيرا لحضوره، بينما اليوم استقبله وحيدةً، دون أحمد، وهو على بُعد ساعة منا، بينما جعلها الظالمون سنوات ضوئية، حسبي الله ونعم الوكيل".
وأطلقت عشرات المناشدات والنداءات الوطنية والعائلية والحقوقية، بضرورة الإفراج عن المعتقل السياسي أحمد هريش في ظل عدم وجود لائحة اتهام ضده، وتعرضه لتحقيق قاس، إلا أن السلطة تتجاهل كل تلك الجهود.
اقرأ أيضًا .. المعتقل السياسي أحمد هريش يُرزق بمولوده الأول وهو مغيب في "مسلخ أريحا"