تزعم سلطة حركة فتح في رام الله أنها ترفض سفر الفلسطينيين عبر مطار "رامون" (الإسرائيلي) لما فيه من انتقاص لمشروع الدولة الفلسطينية، برغم أن قياداتها تسافر عبر مطارات الاحتلال وخطوطه الجوية، وبتصاريح خاصة على مدار الساعة.
وفي المقابل، فإن الاحتلال يسعى للترويج للمطار المعطل بسبب موقعه الجغرافي، حتى أنه كان على أجندة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في حديثه مع رئيس السلطة محمود عباس، وكذلك حديث قيادات الاحتلال في لقاءاتها مع عباس في المقاطعة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وكان الاحتلال أنشأ مطار رامون ضمن استخلاصات حرب عام 2014، بعد خروج مطار بن غوريون عن الخدمة، إثر قصف كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس له، ومنع حركة السفر منه وعليه.
وفي حال اقتنع المواطنون الفلسطينيون بالسفر عبر "رامون" بدلا من طريق الأردن، فإن السلطة ستفقد جزءاً مهما من تحكمها بسفر الفلسطينيين من جهة، وستؤثر سلبا على علاقتها المتينة بالأردن، كحليف أساسي في الإقليم، من جهة أخرى.
ويشار إلى أن تشغيل الاحتلال مطار رامون يأتي ضمن الحل (الإسرائيلي) الذي يتبناه رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد الاقتصاد مقابل الأمن، وفي ذلك إنهاء للقضية الفلسطينية، وحل الدولتين الذي يقوم على وجود مؤسسات سيادية كالمطار والميناء وغيرها.
وفي خضم الدعاية التي روجها الاحتلال أمام العالم، بالسماح للفلسطينيين بالسفر عبر "رامون"، تبرز الدعوات الفلسطينية القديمة الجديدة، بضرورة تشغيل مطار قلنديا الدولي، ومطار غزة الدولي، وإيجاد تسهيلات على معبر الكرامة، بدلا من الدعوة لاستخدام مطار رامون.
وتتعارض مواقف السلطة العلنية مع إجراءاتها على الأرض، في ظل سفر مسؤوليها وبعثاتها الدبلوماسية عبر مطارات الاحتلال، وفي كل الظروف والأوقات، وكذلك التسهيلات الذهبية التي يحظى بها مسؤولو السلطة على المنافذ تجاه الاحتلال والأردن على حد سواء.
كما أن تحويل السفر عبر "رامون" يسحب بساط السيطرة على سفر المواطنين الفلسطينيين من تحت أقدام السلطة لصالح الاحتلال، وما يتبع ذلك من عوائد اقتصادية وسياسية، خصوصا في ظل الترابط القائم بين السلطة والأردن.
وفي تعارض مع الموقف المعلن من السلطة، كشف مسؤول في شركة طيران (إسرائيلية)، يوم الثلاثاء الماضي، عن أن الرحلة الأولى التي أقلعت بمسافرين فلسطينيين من مطار رامون بالنقب المحتل إلى جزيرة قبرص، جرت بالتنسيق بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل".
وقال المستشار الاستراتيجي لشركة "أركيع" (الإسرائيلية) للطيران أمير عاصي إن الرحلة جاءت بـ"مبادرة خاصة بالتنسيق مع السلطات الفلسطينية والإسرائيلية المعنية"، مضيفًا أن المسافرين القادمين من بيت لحم والخليل ونابلس وأريحا، تجمعوا عند معبر ميتار في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية ثم نقلوا مباشرة إلى المطار.
ويشار إلى أنه لا يمكن للفلسطينيين في المناطق التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967 السفر جوًا من مطار "بن غوريون" دون الحصول على تصريح خاص، وهو التصريح الذي تعطيه سلطات الاحتلال لمسؤولين رفيعي المستوى في السلطة.
ويأتي ما كشفه المسؤول بالشركة الإسرائيلية، خلافًا لما صرح به وزير النقل والمواصلات في السلطة الفلسطينية عاصم سالم قبل أسبوع، محذرًا من فرض عقوبات على أي فلسطيني يستخدم مطار رامون في حال تم تشغيله.
وأكد سالم عدم وجود أي تواصل بين الحكومة الفلسطينية و"إسرائيل" بشأن سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون، مشددا على رفض الجانب الفلسطيني السماح للفلسطينيين من السفر عبره.
وكان منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق "غسان عليان" قال إن: "سفر الفلسطينيين عبر مطار (إسرائيلي) أمر غير مسبوق، وكان حلمًا وأصبح حقيقة"، على حد زعمه، حيث افتتحت "إسرائيل" مطار "رامون" عام 2019، لكن (الإسرائيليين) لا يرغبون بالسفر عبره لبُعده عن المركز، إذ يبعد نحو 340 كيلو مترًا عن مدينة القدس، فيما تبلغ مساحة المطار، الذي بلغت تكلفة بنائه 500 مليون دولار، نحو 14 ألف دونم، وهو الثاني من حيث المساحة في "إسرائيل".
وفي التعقيب على ذلك، قال مدير مركز الحريات والحقوق المدنية "حريات" حلمي الأعرج، إنه من الواجب على السلطة رفض سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون (الإسرائيلي) لأسباب وطنية بحتة، تتعلق بالسيادة الوطنية وآفاق بناء دولة فلسطينية مستقلة، تتمتع بالسيادة على أرضها وموانئها.
وأضاف الأعرج في اتصال هاتفي مع "الرسالة نت" أن فكرة السفر عبر "رامون" تأتي لقطع الطريق على إيجاد مطار مستقل وفق ما تضمنته اتفاق أوسلو "المشؤوم"، وهما مطاري قلنديا في الضفة ومطار غزة بقطاع غزة.
وأوضح أن تسهيل السفر عبر "رامون" يمثل تسويقا لفكرة جديدة تضرب فكرة وجود مطارات فلسطينية مستقلة، وكذلك تتناقض بشكل واضح مع مصلحة الأردن والمصلحة الفلسطينية العليا، بتكريس تبعية الشعب للاحتلال.
وأكد أن عرض الاحتلال السفر عبر "رامون" يمثل هدية مسمومة للفلسطينيين، في سياق التسهيلات ذات المضمون الاقتصادي، التي من شأنها تفريغ الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) من مضمونه الحقيقي.