لا تقتصر سياسة الاحتلال (الإسرائيلي)، في عملية تهويد مدينة القدس، على سرقة البيوت وتهجير أصحابها أو إقامة العشرات من المشاريع الاستيطانية التي تحاول طمس معالم وهوية العاصمة التاريخية، بل تخترق عاداتها وتقاليدها وتسرق تاريخها وصولا إلى أدمغة طلبتها لتحرّف مناهجهم الدراسية.
تحريف المنهاج الفلسطيني وحذف الكثير من مصطلحاته ليس وليد اللحظة، بل بدأت (إسرائيل) العمل على أسرلة المنهاج بشتى الوسائل منذ احتلال مدينة القدس عام 1967 من أجل شطب التاريخ الفلسطيني وطمس هويته الوطنية كونه يشكل ركيزة أساسية في بناء جيل واع بقضيته.
ومنذ يوليو الماضي، تشهد المدارس في القدس إجراءات عقابية بسبب رفض تدريس المنهاج (الإسرائيلي)، حيث ألغت وزارة التربية والتعليم (الإسرائيلية) تراخيص ست مدارس بحجة "التحريض ضد (دولة إسرائيل وجيشها).
وقبل أسابيع قليلة، أطلقت وزارة التربية والتعليم تسمية "عام سيادية التعليم في القدس" على العام الدراسي الجديد، تعبيرا عن التزام الكل الفلسطيني بالذود عن هوية وروح ومضامين التعليم في القدس، وحمايته من (الأسرلة) وكي الوعي وتزوير حقائق التاريخ والجغرافيا.
ودعت الوزارة الجميع إلى العمل معا بجد واجتهاد لحماية تعليم أطفالنا وترسيخ الرواية الوطنية، وتعويض الفاقد التعليمي والاجتماعي والنفسي الذي عانى منه الأطفال بفعل الجائحة وغيرها.
وأكدت أن منظومة التربية والتعليم ستعمل كل ما يحتمه عليها الواجب الوطني والأخلاقي والحقوقي والتربوي؛ لضمان استقرار وانتظام العملية التعليمية وحمايتها من أي إرباك إعمالا لحق أطفالنا المقدس في التعليم.
ويذكر أن عدد طلبة القدس في المراحل المدرسية يبلغ حوالي 98,428 طالبا وطالبة (باستثناء رياض الأطفال)، يذهب منهم حوالي 45,500 طالب وطالبة منهم الى 146 مدرسة تتبع للمظلة الفلسطينية (الأوقاف العامة، والمدارس الأهلية، ووكالة الغوث)، والباقي يذهب الى مدارس تتبع لإدارة حكومة الاحتلال.
ويوجد مدارس تاريخية وضعت قوات الاحتلال يدها عليها عندما احتلت الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967، ومنها مدارس مستأجرة، ومنها مدارس قليلة حديثة نسبيا.
كما يستغل الاحتلال عدم وجود مبان مدرسية كافية ليفرض فيها المنهاج (الإسرائيلي)، فيما يتعلم غالبية الطلبة المقدسيين المنهاج الفلسطيني في المدارس التي تعمل ضمن المظلتين.
كيف يتضرر الطلبة بفعل الضغوط (الإسرائيلية)؟
تقول ولاء أبو عصب الباحثة، في شؤون التعليم في القدس، إن اتجاه المدارس خلال السنوات الأخيرة للتعليم بالمنهاج (الإسرائيلي) أضر بالطلبة الفلسطينيين من خلال تحريف وتغيير في المنهاج مما أدى إلى خلل واضح في أبسط المعلومات على الصعيد المتعلق بالتربية الإسلامية الذي يتضمن سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، إلى جانب بعض القضايا الوطنية.
وتضيف: "رغم المنهاج التعليمي الذي يتضمن تحريفا واضحا، إلا أن الشباب في طليعة أي هبة جماهيرية أو حدث كبير تشهده المدينة، رغم المحاولات (الإسرائيلية) للتجهيل".
وأكدت أبو عصب أن الاحتلال يركز في استهدافه للتعليم الفلسطيني على أي شيء متعلق بالقضايا الوطنية ويسعى لمحو قضايا النكسة أو النكبة أو المذابح التي تعرضت لها القرى المهجرة عام 1948، وفرض ما يسمى بـ"البيغروت" (الإسرائيلي) - التوجيهي- الذي ينفي أي وجود فلسطيني ويتحدث بلهجة يهودية بحتة.
تهديدات وردود أولياء الأمور
ومع حلول العام الدراسي الجديد، أرسلت وزارة التربية (الإسرائيلية) رسائل تهديد لمدراء المدارس في القدس، تتوعد بشكل صريح بأن "ممثل قسم التنفيذ" سيفتش المدارس والكتب، ويجبر ممثل المدرسة على التوقيع على عريضة تُلزمه بعدم تدريس المناهج الفلسطينية الوطنية.
في حين حذّر الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك رئيس الهيئة الاسلامية العليا بالقدس من إغفال وإهمال مناهج التعليم في مدينة القدس والسماح للاحتلال المساس بها.
ووجه الشيخ صبري رسالة لأولياء الأمور في القدس لليقظة من المنهاج الذين يتعلمه أبناؤهم، مستنكرا ما قامت به حكومة الاحتلال من إلغاء تصاريح 6 مدارس في القدس بحجة أنها تطبق وتدرس المنهاج الفلسطيني.
بدوره، أكد طارق العكس الباحث المقدسي في العلوم الاجتماعية والسياسية أن محاولات الاحتلال لأسرلة التعليم في القدس كان تسير وفق استراتيجية متدرجة تهدف إلى وضع منهاج خاص بالفلسطينيين على يد خبراء صهاينة، يمحو أي فكرة وطنية من المناهج الدراسية ويُعامل الفلسطينيين على أنهم مواطنون عرب "أقلية" داخل (إسرائيل) التي وصفوها بـ "منارة الحريات في صحراء الجهل والتخلف والدكتاتورية العربية".
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجية تسعى لغرس مبدأ المواطنة (الإسرائيلية) في نفس كل فلسطيني عربي يعيش داخل دولتهم المزعومة وصولاً للفخر بهذه الهوية (الإسرائيلية).
في سياق الحراك الشعبي الذي يخوضه أولياء أمور الطلبة في مدرسة الكلية الإبراهيمية في القدس، نظم أولياء أمور وقفةً رافضة للمنهاج (الإسرائيلي) مطلع الأسبوع الجاري.
وكانت الكلية تسلمت رسالة رسمية من سلطات الاحتلال قبل أسبوعين تهدد بإغلاق الكلية عن طريق سحب ترخيصها إذا لم تعتمد على المنهاج (الإسرائيلي) المحرف.
وبمجرد أن دعت الكلية لوقفة احتجاجية، توافد العشرات من أولياء الأمور ومن تضامن معهم من المقدسيين إلى محيط مبنى المدرسة في حي وادي الجوز، وسط القدس المحتلة، رافعين العديد من اللافتات، التي كتبت عليها عبارات مثل: "ابتعدوا عن أولادنا وثقافتنا"، و"كي الوعي لن يجدي معنا".
وعقب التصعيد بحق قطاع التعليم في القدس والتلويح بفرض تدريس المنهاج "الإسرائيلي" المحرف في مدارسها، لايزال أهالي الطلبة يواصلون رفضهم لتلك السياسة معلنين البدء بفعاليات شعبية رافضة لتلك الخطوات (الإسرائيلية) بحق الطلبة.